ليبيا "خضرة الكتاب" تؤول إلى الشحوب / محمد عبد الله ولد لحبيب

altالشعب الليبي ينتصر بدمائه،، هذه هي المفردة الوحيدة في اللغة العربية الآن. فلتتوقف اللغة عن الحديث، لقد تكلم دم حفدة عمر المختار، واحمرت به الدنيا بعد أن استحالت خضرة الكتاب والنظرية العالم ثالثية إلى لون الرماد.

يكتب الشعب الليبي اليوم الأبي اليوم ملحمة للرد على ترهات الزعيم التي استقرت في الأوراق الخضراء أربعة عقود ونيفا، يفكك تكدسها، يلغي إطلاقاتها، إنه يجرف المعتوه المخرف الأول في العالم اليوم. سقوط تماثيل الكتاب الأخضر (الآئل للشحوب) أمام أنظار العالم يعني رمزيا انهيار أركان "بيت الوحي" الذي استقى منه أكبر مغفلي العصر تخريفاته التي حكمت ليبيا على مدى اثنين وأربعين عاما. معطلة كل أنواع القوانين، والقضاء المدني، مؤسسة جمهورية عباءة الغباء وخيمة الخيبة.  النسخة الليبية من الثورة:  قبل اثنين وأربعين عاما أفاق الليبيون على بشائر جيشهم الوطني منهية حكم الملكية، مستلهمة نموذج الثورة المصرية التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر، رحمه الله، لكن الفرحة ما لبثت أن تبددت أمام سحب الخوف والسخرية، فقائد الثورة معتوه "نام صعلوكا واستيقظ ملكا فأصيب بجنون العظمة".  ما لبث المعتوه الصعلوك أن رسف كل تقاليد الدولة، وأعراف الحكم المتراكمة في ليبيا على مر العصور، مزيحا معها تراثا ثريا من تدريس العلم والسمو الروحي أرساه علماء المالكية الأول الذين أسسوا لمذهب إمام المدينة. أخذ على عاتقه تحويل أحفاد المجاهدين إلى عمال ورشات يحسنون الخياطة وحوك الثياب، مقطعا أوصال المجتمع حدائق يقسم بين أبنائه السبعة وزمرة من المقربين ريعها. بعد أربعين عاما اكتنفت الثورة ضفتي مجتمع ليبيا المسلم، شرقا وشمالا، فاستيقظ تاريخ طويل من مقارعة الاستعمار، تاريخ من التضحية الغراء، نفض غبار الخوف والمذلة عن ساكنة المدن الليبية تتقدمهم مدينة الجهاد والمجاهدين بنغازي مؤذنة بفجر جديد يتنفس عبقه سبعة ملايين ليبي، جثم العقيد وزمرته على أنفاسهم ردحا من الزمن.  اختلفت النسخة الليبية من الثورة عن سابقتيها مستحضرة الفوارق بين الأنظمة الساقطة؛ يأتي في مقدمتها طول فترة الكبت وقوته التي فجرت الغضب الليبي داميا، واستقدام مرتزقة أجانب حولت معركة المواطن الليبي إلى معركة ضد غاز أجنبي وهي مهنة خبرها أبناء ليبيا وتوارثوها أبا عن جد. واستيقظت القبائل الليبية تدافع عن بيضة الوطن وحمى الملة ضد القتلة الأفارقة. خطاب الوداع: نحن أو الطوفان: بعدما ارتوت الأرض بالدم الزكي، بعدما قال الشعب كلمته، والعقيد يعاقر خمرته وغوانيه بقاعدة العزيزية، عنَّ لواحدة من خرز التاج أن تخرج إلى الجماهير المرابطة، مرعدة ومبرقة بسحاب خلب، "يعدهم ويمنيهم" شاهرا سيف الجوع والحرب الأهلية، والفوضى والتفكك، والاستعمار، مخوفا من قيام "إمارات إسلامية". وتلك نسخة طبق الأصل من خطابي الوداع الذين ألقيا من قبل على لسان بن علي، ومبارك. الفارق الوحيد أن الزعيمين الساقطين ألقيا خطابيهما وعدد الشهداء لم ينزف بعد. فلم يغنيا عنهما من غضب الشعب شيئا، وقيل اخرجا التاريخ مع الخارجين.  هذا ما لم "يفهمه" أو "يعه" "الألمعي القذافي"، وهو يحوك خطابه الممل، المتناقض. ولم يع أو يفهم أن الشعوب ألقت رداء المذلة التي ألبسه إياها الحكام.  الشعب الليبي يقول اليوم بلسان حاله إن حرق آبار البترول خير من إنفاقها على بغايا الدنيا اللواتي يتجمعن من كل الجنسيات، وإن ثمن الحرية الحمراء خير من ثمن استعباد أخضر، وإن اللحاق بركب الكرامة الذي انطلق من القيروان، وفازت به أرض الكنانة في محطته الثانية أولى من انتظار وعود تلوح بروقها دون مطر.  ذلك هو الخطاب الأخير، وتلك رسالة الجواب الأولى، يكتبها الدم الليبي القاني، وتنحت حروفها زركشات بيضاء على جبين دهر سودته الأكاذيب. أضاليل يمليها على الشيطان زبانيته الذين طافت فواحشهم الدنيا، تستعبدهم بغي، ويقودهم سارق زنيم، ويتبعون دجالا يلقنهم الأراجيف. الرحيل إلى التيه ما عاد لعصابة الرذيلة بأرض الرباط متسع فلتحزم متيسر أمتعتها كي يزهو الزمان بإخراجه إياها إلى ظلمات تيه أبدي لا هادي فيه. سيتسولون الدنيا يستعطفون طاغية أو رعديدا مولوه بحرام ما سرقوا من ثروات الأمة لإخافة شعبه، لكنهم لن يجدوا مأوى من سوء سالف عهدهم، فلهم في كل بقعة من الأرض لاعن، وعليهم في كل رقعة من الدنيا دمُ بريء، ومنهم في كل موضع إصبع في الكون شاكٍ. ومن شنيع فعلهم إلى الله في كل لحظة ضارع. ستلاقي أسرة الغدر مصير الشاه وابن علي لكن القاهرة اليوم تفرغت لقهر الطواغيت، وقد أغرق شؤم طاغوت تونس جدة، فأنى للعقيد مأوى. أنا باسم دولة إسراطين أرحب به أول مواطن على أرضها، أو لاجئا سياسيا أو حتى رئيسا مدى الحياة إن شاء. لن يؤويه إلا أوطان خرافاته التي صاغها في خطب سيظل أزيز صداها يتردد حتى تقوم الساعة، شاهدا على سخف من صدقه، وعهر من بايعه. اللهم إني لا عنهم على هذه البقعة من أرضك، شاكيهم في هذه النقطة من كونك، ضارع إليك فيهم في هذه اللحظة من دهرك، فأقرَّ عيني بذل لا يفارقهم حتى نخاصمهم فيما سفكوا من دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وما أضاعوا من حقوقها، وما ضيعوا من ثرواتها. اللهم فاستجب.

21. فبراير 2011 - 16:45

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا