... على خطا معاوية / أحمد ولد محمد المصطفى

altتشهد موريتانيا هذه الأيام حمى تدشينات غير مسبوقة في تاريخها، كان حظ الأسد منها للطرق من أجل فك العزلة عن المناطق النائية من موريتانيا الأعماق، حتى يسهل تواصلها مع موريتانيا الجديدة، ويبدو الرئيس الموريتاني خلال هذه الزيارة حريصا على طي المسافات.

–ربما لزيارة أكبر عدد ممكن من القرى والتجمعات وفي أقل فترة زمنية – من خلال استخدامه لطائرة صغيرة، قد تكون – هي الأخرى – مؤجرة من مؤسسة الجيش وبمقابل مالي شأنها في ذلك شأن طائرة الحملة الانتخابية. ما هو مثير للانتباه في هذه الزيارات الكرنفالية أنها بالفعل سير على "خطا معاوية" شكلا ومضمونا، وتدل لذلك أمور كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر لأنها ببساطة لا زالت متواصلة: أولا: الطابع الكرنفالي الزائد، وحشر الآلاف من السكان من بقاع شتى "ليشهدوا" على "منة" من الحكومة، أو "صدقة" من دولة أجنبية، وتدخل ضمن ضروريات الحياة بالنسبة لأغلب ساكنة المعمورة، كالمياه والطرق والكهرباء والصحة والتعليم... لكن حكومتنا الموقرة... حكومة موريتانيا الجديدة... حكومة خمسينية الاستقلال... بدل أن تغض الطرف عن عجزها عن توفير الضروريات لأغلب ساكنة البلاد، وتخفي "عورات" البلاد فضلت التفاخر والتغني بكشف هذا الوضع المأساوي من خلال الاحتفال بإطلاق مشروع بناء طريق أو تزويد مدينة بالمياه الصالحة للشرب... ونحن على أبواب العقد السادس من قيام الدولة الموريتانية "الحديثة"، وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.... ثانيا: سعار الإعلام العمومي وسعيه الدائم للتضليل والكذب المكشوف، وتصوير أوضاع الناس في الداخل وكأن كل شيء تغيير بمجرد "لمسة زر" قام بها "القائد الفذ" منقذ البلاد، ومانح الحياة والنور والضياء، فقبله كانت البلاد في ظلمة، تماما كما يكرر أحدهم على أذنيه أثناء تطوافه بين العشرات من المساكين المحشورين تحت حر الشمس، في مدخل المدينة العطشى والغارقة "مكطع لحجار". لقد أعادت التلفزة الموريتانية هذا المقطع مرات ومرات، وكأنها تريد أن تصور للسامع والرائي أن كل السكان المحليين، يتحدثون بنفس الخطاب، مع أن منظر أغلبهم يوحي أنه قد لا يكون رأى الكهرباء في حياته، وأن الصورة الذهنية للدولة عنده، مختصرة في "مكتب تصويت" وزيارات كرنفالية، يمنعه ضجيج السيارات، وغبار زحام المستقبلين، وأخيرا أزيز محرك الطائرة الصغيرة، من التأكد من ملامح الزائرين، أو تمييز حقيقة أغراضهم من الزيارة، تماما كما كان يحصل في زمن معاوية، مع أن الأخير كان يحرص على تحديد هدف زيارته في أول جملة بعد شكر المستقبلين، خلافا للرئيس الحالي، الذي يدخل في حديث عام عن سياسة الحكومة، وأولوياتها خلال المرحلة القادمة، وتتداخل عنده الوسائل والغايات والمنجزات... ثالثا: الهوة السحيقة بين نظرة سيادته للأوضاع وحقيقتها، باستثناء الفساد المستشري في الدولة، والذي أصبح الحديث عنه الآن "جلدا للذات" أكثر منه مساهمة في التغلب على المشكل، فحتى متى ونحن نؤكد وجود الفساد ونتحدث عن محاربته، حتى متى ونحن نكتفي بالكلام دون الأفعال، صحيح أنه الفساد قد يكون في تراجع –مقارنة مع فترة ولد الطائع- لكن تظل جهود محاربته قاصرة بشكل كبير عن الحجم الذي صوره حديث الرئيس عنه في أكثر من محطة وأكثر من مكان، وبأكثر من صيغة، أو لعل سيادته ينتظر بتلك الإجراءات انتهاء "سجن المفسدين في ألاك"، خصوصا وأن الأعمال فيه عرفت بعد التأخر بسبب إضراب العمال لأسباب عدة على رأسها تأخر الرواتب. على موريتانيا الجديدة، إن أرادت أن تكون حقا كذلك، أن تجدد في وسائلها وطرق تعاطيها مع الشعب، ومع الإعلام، ومع الملفات الكبرى في البلاد، عليها – تماشيا مع موضتها – أن تنظم أياما تشاورية لدراسة طريقة تقديم الخدمات لأفراد الشعب، وسبل التعامل مع المشاريع، وأن تقنع نفسها أولا – برئيسها ووزرائها وإعلامييها- بأن موريتانيا الجديدة، ليست موريتانيا القديمة، وأن ولد عبد العزيز ليس معاوية ولد الطائع، وأن زيارته ينبغي أن تكون مختلفة –شكلا ومضمونا – عن تلك الزيارات، بدل أن نظل ندور في تلك الحلقة، ونسير على الخطا نفسها، خطا معاوية، وليست قطعا خطا الحبيب....

23. نوفمبر 2010 - 22:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا