اعتقال برام جرم على جرم / محمد عبد الله ولد لحبيب

altعندما وقعت عيني على بيرام ولد الداه ولد اعبيدي أول مرة، ذات ضحوة من عام 2007 كان يتحدث مكلوما بنبرة حادة جدا،، عن حالة استرقاق ظهرت في واحدة من مقاطعات ولاية اترارزه .. وكان يتحدث بنفس المرارة، ونفس الحدة .. آخر مرة ألقاه فيها خلال شهر رمضان الماضي. 

قبل لقائنا الأول تعرفت على مناضل أسود تغلي لغته على صفحات جريدة السراج، تقطر كلماته حرارة، إنه لديغ يتقلب بين حروف لا تتحمل حرارة الشحنة التي يود التعبير بها.. لا توفيه حقه في الإبانة عما يريد، فيحاول الحديث بجوارحه الأخرى. كل مرة ألمحه يتحدث أعتقد أنه سيقفز من فوق الطاولة ليجسد كلماته جروحا أمام من يتحدث إليهم.  وبين اللقائين تكررت المناسبات التي جمعتنا في بيت برام ومكتبه (يوم كان عضوا في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان) وفي قاعة اللقاءات بتجمع منظمات حقوق الإنسان الموريتانية.. وفي كلها كان الرجل يحمل معه تفاصيل قضية من قضايا العبودية الكثيرة في موريتانيا.  ذات المفردات "العبودية" "الإجرام" "الإقطاع" هي ما يتحدثه برام في كل مرة ألقاه فيها.. أضاف إليها في السنوات الأخيرة اسم "المبادرة من أجل الانعتاق" المظلة التي تجمع حول برام زمرة من شباب الأرقاء والأرقاء السابقين في موريتانيا يوحدهم خط النضال الراديكالي ضد العبودية. امتلك المناضل الأسود الشجاعة ليقول ما أسكتت عنه موازنات السياسة والشرعية قادة السود الناطقين باللغة العربية. بزغ نجم الشاب الأسود حين كسر حواجز القول وسوى أعراف التورية واللغة الناعمة بالأرض. "الحرير" هو آخر مفردة يفكر ولد اعبيدي في استخدامها، بعد أن يستنفد قواميس الحديد والنار والشوك والقضبان.. صداقة برام محرجة (كهذا المقال) فهي ترغمك دائما على أن تسمع ما لا تريد. وما تريديه أحيانا من نسبية اللغة واستبقاء بعض الأصدقاء، وتحييد بعض مشاريع الخصوم،،، أمور لا يستسيغها برام، ولا يتسع لها معجمه اللغوي. "فمن ليس مع الانعتاق فهو مع العبودية، هكذا".!! واليوم تقتاد الشرطة الموريتانية برام من واحدة من السوح التي رابط فيها جهرا منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ليس لأن برام ومجموعة معه "استعملوا العنف ضد أفراد من الشرطة أثناء تأديتهم لمهام رسمية"، بل لأن ولد اعبيدي تجاوز "الخطوط الحمر" في الدفاع عما يراه حقا. ترتكب الشرطة خطأها الألف بعد المائة باعتقال مناضلين عبروا، على طريقتهم، عن رأيهم في جرم ما زال يمارسه الكثير من أبناء الشعب الموريتاني تحت غطاء "الجهل" و"الفاقة" ودون غطاء أحيانا!!. وتواصل السلطة السياسية تربيتها على أكتاف أبناء شرطتها المدللين، وهم يقمعون زمرة من أبناء هذا الوطن قالت كلمة "حق عند سلطان...". اعتقال برام ورفاقه خطوة إلى الوراء في سبيل معالجة مشكل العبودية، واستمرار اعتقال برام ورفاقه هو مسيرة إلى الوراء في سبيل معالجة العبودية، وما تجر وراءها من جحيم تحت الرماد لمستقبل هذا الوطن. سأظل على اختلاف مع أسلوب برام في التعبير عما يراه حقا، وسأعبر عن ذلك ما واتت فرصة التعبير.. لكني سأجدني مع برام حين يستهدف نشاطه أو يراد تكميم صوته.. وسأجدني دائما مع برام ومع غيره ممن استطاعوا أن يرفعوا عقيرتهم بأن استعباد الناس جرم، واعتقال الناس حين يلعنون ممارسة الاستعباد جرم، واستمرار اعتقال الناس جراء هذا اللعن جرم على جرم على جرم. سيخرج برام، أو لا يخرج، لكن الحقيقة ستظل مكانها: هنا ظلم يمارس وهنا استعباد يمارس، وهنا حرية مسلوبة، وما لم يشعر كل الناس أنهم أحرار تحت قبة وطن حر فسيظل هنا من يصيح.. أما من يعتقل ويستمر في الاعتقال، فهو من دون شك مؤقت الوجود مؤقت الحكم مؤقت الاستمرار. 

15. ديسمبر 2010 - 13:27

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا