قراءة لأبعاد ومستقبل الرئيس الموريتاني المخلوع/ محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابدتعرف الساحة السياسية والإعلامية في موريتانيا هذه الأيام شدا وجذبا حول شخصية الرئيس المعزول، سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، وقدراته وسماته الشخصية. وقد تتبعت الخلفية العائلية والأسرية للرجل وماضيه السياسي وتعرفت عن قرب من بعض من كانوا مقربين إليه على سمات شخصيته وما يطمح إليه،

كما تتبعت عن كثب كل خطواته السياسية التي اتسمت بالكثير من الجدل، وأحسب أنني تعرفت على سماته التي تأكدت لي بعد لقائي به أخيرا في قريته «لمدن» الوادعة وسط كثبان الرمل الهادئة في عمق الصحراء حيث حاورته وواكبت العديد من الحوارات الصحافية واللقاءات السياسية التي أجراها مع حلفائه في جبهة الدفاع عن الديمقراطية. أولا: السمات الشخصية والعائلية للرئيس المخلوع: - السياسة والطيبوبة الشخصية: يطري الكثيرون الرئيس المخلوع بصفات حميدة وفعال بسط الحريات العديدة، ويتحدثون عن طيبوبته الفريدة. وفعلا يتضح بشكل لا لبس فيه لكل من عرف الرئيس ولد الشيخ عبدالله عن قرب أنه شخصية سياسية تتمتع بالكثير من الطيبة والليونة والبعد عن سمات الشخصية الدكتاتورية مع صرامة في شخصية الرجل تخفيها شخصيته الزاوية الذكية المراوغة والتي تحمل إرث ذاكرة «التزاويت» المشحونة بذهنية «المدارات-المجاملة» التي شغف بها الزوايا حتى باتت تشكل معالم نظرية سياسية واجتماعية تقلدتها تلك الشريحة التي عاشت تحت تسلط وظلم حملة السيف وحواشيهم إضافة لانعدام السلطان المركزي الوازع في البادية الموريتانية لعدة قرون وهو إلى ذلك ابن الطريقة التيجانية التي تزاوج بين المعلن والمخفي في الحياة الدينية والثقافية بشكل يومي وهي كلها عوامل تجعل لشخصية الرجل مظهرا وعنوانا قد لا يتفق كثيرا مع باطن سريرته وجوهر حقيقته. - سمة المدارات وذهنية آل الشيخ: من الروايات التاريخية المعروفة عن أسرة الرئيس الموريتاني المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله أن والده الشيخ عبدالله يتميز بذكاء ومبادرة تخرجه عن كونه مجرد شيخ طريقة إلى حدود الإيالة والسياسة أيضا فقد كان الرجل وهو شاب قضى بضع سنوات تلميذا عند آل الشيخ القاضي من مشايخ الطريقة القادرية ولكنه تباطأ في إجازته للتصدر رغم استحواذه على الشروط الفقهية و «العرفانية الصوفية» فما كان منه إلا أن صرف وجهته إلى الطريقة التيجانية بقيادة الشيخ إبراهيم أنياس في السنغال التي تواجه آن ذاك نكيرا واسعا من طرف الفقهاء ومشايخ الطرق الأخرى (خصوصا القادرية الشاذلية) في موريتانيا فاتجه إليه لما علم سرعته في الإجازة والتصدير فجاءه على هذه الخلفية فصدره مباشرة لأسباب استراتيجية وتكتيكية يدركها من تتبع ما كانت تعانيه الطريقة التيجانية آنئذ من صعوبات وتضعضع في موريتانيا التي كانت جسر عبورها التاريخي للبلدان الإفريقية المجاورة ومنذ ذلك الحين أضحت قرية «لمدن» مركز جذب زلزل وجود الطريقة القادرية ونصانية الفقه المالكي في ولاية لبراكنة مما شكل علامة فتح جديد للطريقة التيجانية التي كانت شوكتها الشرقية في الحوضين تواجه انكسارا وانحسارا بفعل عوامل صراعية قبلية وسياسية استعمارية عديدة. وفي هذا الجو الذي يمزج بين إيالة الخلق وسياسته الدينية والدنيوية «روحا وجسدا» نشأ الرئيس الحالي في مركز شكل نقطة ارتكاز تعيش الحراك الديني والثقافي والسياسي في أعمق أبعاده وليتصدر هو ذاته للتصدي لتخصص الطريقة السلطوي والسياسي كواحد من أهم الشخصيات التي أسندت لها حقائب وزارية في العهدين المدني والعسكري وليتوج مسيرته هذه بانتخابه رئيسا للجمهورية 25 مارس 2007. - وراء كل عظيم امرأة: ليس جديدا في التاريخ العربي الإسلامي خصوصا في موريتانيا أن يحرص أبناء الأسر الكبيرة على انتقاء زيجاتهم على معايير الوجاهة والحظوة والمكانة الاجتماعية الرفيعة، وفيما يتعلق بالرئيس ولد الشيخ عبدالله يمكن أن يكون ساعده حدسه الصوفي على اختيار قرينته التي سيكون عامل مجرد قرابتها للجنرال ولد عبدالعزيز من أهم العوامل التي وقفت وراء اقتناع جنرالات وقادة الجيش الموريتاني به كمرشح حليف يستحق دعم العسكر يومئذ وهو ما حصل فعلا وإن شكل حضورها المبكر في الفعل السياسي في عهده أهم عوامل خلعه واتهامه بالفساد لاحقا. ثانيا: سماته السياسية: - غياب الرؤية الواضحة النابعة من المعاناة: جاء ولد الشيخ عبدالله إلى السلطة قادما من العمل مع بعض المؤسسات المالية خارج موريتانيا لأكثر من عشرين عاما مما يعني أنه لا يعي بالشكل الكافي التناقضات السياسية وصراع المصالح الذي يعتبر أهم محرك للسياسة في موريتانيا وبدأ الرجل بفتح العديد من الملفات المغلقة من الأنظمة السابقة بأسلوب لم يراع في الكثير من الأحيان المزاج السياسي المسيطر في موريتانيا فجاء قرار الاعتذار للزنوج عن الإبعاد مغفلا ما تعرض له الموريتانيون في أحداث 1989 الأليمة وما تلاها محملا موريتانيا المسؤولية التاريخية عن أحداث فتنة «مركبة» لدول الجوار فيها دور ولفرنسا والتيار الفرنكفوني فيها ضلع مما أثار حفيظة العديد من محركي السياسة الموريتانية المؤثرين خصوصا من التيارات القومية. كما اتجه لترخيص الأحزاب القومية والإسلامية والعرقية (الزنجية) ولم تقدم سياساته للمبعدين الذين تم إرجاعهم للبلاد ما يقنع البقية بالعودة فبقي القرار والاعتذار عن جرائم «دولة البيضان» معلقا في الهواء لم ينكأ عدوا ولم يرض صديقا. - ضياع العصبية «الانتخابية» المساندة: في المجتمعات العشائرية والقبلية تشكل العصبية المرتكز الأساسي للسلطة وهذا ما لم يمنحه الرئيس المنتخب أي أهمية فاتجه للاعتماد على نخب الحركات السياسية وأقلية من الأوتوقراط والتكنواقراط يطمئن الرئيس لكفاءتهم لكن لا يشكلون أي ثقل اجتماعي من الناحية التمثلية ولم يساهموا في إيصال الرئيس إلى السلطة وبعضهم خسر في الانتخابات عدة مرات فجمع له ولد الشيخ عبدالله وزارتي الاقتصاد والمالية لمدة عام كامل وكان له دور سيء في رفع الأسعار التي قادت لثورة الجياع عام 2007 التي قتل فيها مواطنون لأول مرة ومن خلال تقريب هذه المجموعة شعرت الأغلبية الداعمة له بالغيرة والتهميش وهم الذين أوصلوه بدعمهم إلى السلطة مما دفعهم إلى الالتفاف حول الجنرال ولد عبدالعزيز لدفعه للانقلاب على الرئيس الذي ظهر عاجزا عن تلبية مطالبهم ومطامحهم فكان في ذلك خطأ سياسي قاتل بالنسبة لموريتانيا ومستقبل ديمقراطيتها الوليدة. ملامح المستقبل: يهتم الرأي العام حاليا بالمستقبل السياسي للرئيس المعزول سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله بعد تمكينه من التواصل مع الآخرين بعد مئة يوم من عزله. وقد لوح ولد الشيخ عبدالله الذي لا يطلق الكلام على عواهنه بأنه سيتخذ إجراءات خلال الأيام القادمة فيما يتعلق بالصلاحيات كرئيس لموريتانيا كما أكد في كل ظهوره الإعلامي أنه يعتبر نفسه الرئيس الشرعي الممنوع من مباشرة صلاحياته التنفيذية. سيناريوهات مستقبلية: - أن يتشبث ولد الشيخ عبدالله بالسلطة ويصر على هذا الموقف ويبرم تحالفات مع الدول التي لها مصالح استراتيجية في موريتانيا ولا تملك موطئ قدم مؤثر كالولايات المتحدة الأميركية التي تسعى لإيجاد مقر لقاعدة أفريكيوم في موريتانيا ولا تستبعد استخدام القوة لإرجاع الشرعية كما فهم من كلام سفيرها في نواكشوط. ويمكن أن يتوصل الرئيس المخلوع لهذا التحالف بسهولة إذا ما حافظ على تماسك جبهة الدفاع عن الديمقراطية التي تشهد نزف انسحابات وتحدي الثبات. - أن يغلب ولد الشيخ عبدالله عدم رغبته في السلطة التي كان يعبر عنها خلال ممارسته لسلطاته ويقدم استقالته من السلطة ليفتح المجال للبحث عن طريقة تمكن من تسليم (سلطات شكلية) لرئيس مجلس الشيوخ كما ينص الدستور وانتخاب رئيس خلال خمسة وأربعين يوما لإنهاء المشكلة. - أن يسعى ولد الشيخ عبدالله لمافقمة الأزمة من خلال إعلان إجراءات سياسية من قبيل تشكيل حكومة موازية لحكومة العسكر من الجبهة المناصرة له وعندها من المتوقع أن يعاد ولد الشيخ عبدالله إلى معتقله أو ينقل لمعتقل ولاتة في الحوض الشرقي وتتجه الأمور لمزيد من الاحتقان قد يقود لانقلابات عسكرية. ولله عاقبة الأمور.

20. ديسمبر 2008 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا