ولد عبد العزيز ووصية أوباما!؟ / البشير ولد عبد الرزاق

"أنا متأكد أنني لو ترشحت للرئاسة مرة أخرى، لحصدت أغلبية أصوات شعبي العزيز، لكنني لن أقدم أبدا على مثل هذا الفعل الشنيع، لسبب بسيط، وهو أن دستور بلادي الحبيبة، يمنعني من ذلك"،

هكذا حدث أوباما قال، ذات خطاب في مقر الاتحاد الإفريقي، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا،
كان الرجل يؤمن بأن الضحالة السياسية، هي أصل كل الضحلات الأخرى، التي فتكت بالقارة، وأخذتها إلى الحافات والمنحدرات، ورمت بها في المستنقعات النتنة، وجعلت رائحة العفن تفوح من كل شيء فيها إلى أدق تفاصيلها،
في كل مرة كان يزور فيها قارته الأم إفريقيا، أو يلتقي بقادتها، كان أوباما يوصيهم خيرا بشعوبهم وبدساتيرهم، حتى لا يجعلوا بلادهم تغرق في الوحل والعار، وحتى لا يرسلوا أنفسهم بأنفسهم إلى مزابل التاريخ،
فعلها في أديس أبابا وفعلها في آكرا وأبوجا وأعاد الكرة في لوساكا ودكار ونيروبي وأنتاناناريفو، ثم دعاهم جميعا، إلى عقر داره في واشنطن، ليحملهم وصيته الأخيرة، قبل أن يغادر،
في موريتانيا، لم يحصل لنا شرف استقبال ذلك الأمريكي الأسمر المبتسم دوما، صاحب القامة الفارعة والصوت الجهوري والخطب الجميلة المنمقة، التي تأسر الألباب وتأخذ الحضور إلى عوالم ساحرة، تشبه عيون السيدة ميشيل،
لم يحصل لنا هذا الشرف، لكن ذلك لم يمنعنا من أن ننتصر، نحن أيضا، على ضحالاتنا السياسية ونفوسنا الخبيثة، فعلنا ذلك مرتين:
مرة حين رصعنا دستورنا بالمادة 28 وأخواتها، ومرة أخرى حين أعلن رئيسنا على الملأ، بأنه لا يريد مأمورية ثالثة ولا يسعى إليها،
كان خطابا مقتضبا ومرتجلا، لم يكن بدفء خطب أوباما، لكنه كان حماسيا ومدويا، أوله عسكري وأوسطه انقلابي وآخره ديمقراطي، لكنه كان يكفي، لكي يشفي غليلنا ووجعنا المزمن،
في ذلك المساء من أوائل شتاء 2016، انتصر ولد عبد العزيز على نفسه، ثم انتصر على الغوغاء والدهماء والمهرجين الذين ضج بهم المكان، ثم انتصر علينا نحن، سواء منا أولئك الذين راهنوا على أنه لن يحترم الدستور، أو أولئك الذين تمنوا أن يقوم الرجل باقتلاع المادة 28 من جذورها ويرسلها إلى الجحيم،
انتصر الرئيس على الجميع، وفي تلك اللحظة، التي هرم الوطن من أجلها، بدا الزمن السياسي الموريتاني مزهوا، وهو يرقص بكامل زينته أمام كاميرات المصورين وتحت أنوار دهشتنا الساطعة،
بدا ولد عبد العزيز قائدا نبيلا وملهما أنقذ للتو أتباعه، من غرائزهم ونزواتهم وبؤس شهواتهم  وزيف عواطفهم، ونامت نواكشوط ليلتها تلك قريرة العين، مطمئنة البال، آمنة من خوف، لازمها على مدى خمسين عاما وأزداد ستا،
...رحل أوباما، أرسله عقرب الوقت، إلى خارج أسوار البيت الأبيض وجغرافيا السياسة الأمريكية والعالمية، وخلف من بعده رجل، أتى به زمن الشذوذ السياسي، وارتجلته صناديق الاقتراع، وتقيأه الناخبون الكبار،
تمنى الكثيرون عبر العالم، لو ينامون ويصحون، فيجدون ذلك الرجل الصلف وبرجه الذي يشبهه، وقد ابتلعهما بحر نيويورك، لكن الذي حصل، هو أنهم عندما استيقظوا، كان ترامب في الكابيتول، يؤدي اليمين الدستورية رئيسا لأمريكا، ويحنو على الجميلة ميلانيا يمسح دموع فرحها، ويهدي العالم حماما باردا، جعله يتجمد عن آخره،
نحن أيضا، حلمنا وتمنينا، أن ننام ونصحو، فنجد موريتانيا وقد صنعت تناوبها السلمي الأول على السلطة، وحين أيقظونا من سباتنا العميق، وأفسدوا علينا أحلام شتاء 2016 الباذخة، كان نصيبنا أيضا، حماما آخر، يشبه حمام الكابيتول الشهير، بارد جدا كأطراف الموتى،
قالوا لنا، إن وصية أوباما "بح"، طارت مع صاحبها، وأن ما حصل ليلة ال20 من أكتوبر 2016 في قصر المؤتمرات، كان مجرد جولة أولى لا غير، وأن معركة المأمورية الثالثة ستكون طويلة ومضنية، نحن الذين وضعنا أسلحتنا وجنحنا للسلم، هل كنا ساذجين لهذه الدرجة!؟،
صحيح أن الرئيس لم ينبس، حتى الآن، ببنت شفة، وصحيح أيضا، أنه لم يتحدث في أمر المأمورية منذ تلك الأمسية، لكن صمته هذا، هو بالذات، ما يقلقنا ويجعل القول الشائع، "السكوت علامة الرضا"، يلاحقنا إلى داخل غرف نومنا، ويكاد يفسد علينا، فرحة عامنا الانتخابي الكبير 2019،
(لا يمكن للمرء أن يحكم ب"لكن")، شارل ديغول...

24. يوليو 2017 - 16:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا