ولد غدة من عادية السياسة إلى أيقونة النضال / محمد الحافظ ولد الغابد

يثير السناتور الشاب محمد ولد غدة الإعجاب لقوة إرادته وإصراره على ممارسة رؤية جديدة في الأداء وطريق غير سالك في العمل السياسي فقد بدأ الرجل مساره السياسي بطريقة جديدة وعندما اختار مواجهة النظام من داخل حصونه المنيعة وفق في إحداث زلزال سياسي كبير لم يكن متوقعا على الإطلاق "رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية" وكان النظام ودهاقنته الخبراء بالدهاليز يعتبرون أنهم قد حزموا أمرهم وأطبقوا على بوادر التذمر في الشيوخ.

حنق التسريبات
تفسر التسريبات التي عمد إليها النظام ضد السناتور ولد غدة حجم الغضب الرئاسي على شخص السناتور الشاب الذي يبدوا أنه وضع في دائرة استهداف سلطوي خطير في سياق سياسي يتسم بصراع خفي عنيف بين لاعبين محترفين ومتنافسين أذكياء يعرف كل منهما ما في أغوار نفسية الآخر في ثنايا هذا الصراع المفتقر لضوابط وآداب كثيرا ما اعتبرها أهل هذه البلاد جزئا من إرثهم القيمي لكنه صراع السياسة يقود ويدفع إلى كل محظور ومستحيل.
شخصيا أتفهم ردة فعل السناتور الغاضبة لأن السلطة ظلمته وحاولت ضرب علاقاته الشخصية بالوسط السياسي من خلال كشف الخصوصية وخلال معرفتي بالرجل لمدة سنوات نلتقي ونناقش أعرف في الرجل عفة في اللسان وترفعا عما لا ينبغي لمثله من القادة والمتصدرين للشأن العام ولكن ضغط التسريبات أخرجه عن طبعه الهادئ فكانت ثمة بعض الفقرات التي كان يمكن أن يعبر عنها في العرف الموريتاني بأساليب مع أن بعض المناطق في موريتانيا لا ضير لديها في العبير بهذا الأسلوب تحررا من أساليب الهرمية الحسانية الزاوية المقيدة بسياقات وضوابط فيها الكثير مما لا يلزم عرفا ولا شرعا. 
صناعة معجزة
نجح الشاب الذي اعتمد فيما يبدوا على فكرة ناضجة للرئيس الراحل –بشكل مفاجئ- أعل ولد محمد فال -رحمه الله- كما صرح بذلك مؤخرا ولد غدة ذاته ولكنه استطاع فعلا وفي هدوء أن ينجز مهمة صعبة كانت بعيدة المنال فقد نسق ونسج خيوطا محكمة للإيقاع بالنظام وآلته السياسية والدعائية حزبا وحكومة ورئيسا وأجهزة أمنية.. الكل صعقوا من النتيجة والرئيس لا يزال إلى اليوم تحت تأثير صدمة تمرد الغرفة الأعلى في النظام الموريتاني والأهم في مواجهة الرئيس وصولجان صلاحياته الخيالية في النظام الرئاسي الموريتاني المفصل أصلا على مقاس الدكتاتور ولد الطائع مطلع التسعينيات من القرن الماضي.     
نضال صلب
السناتور الشاب الذي ولج النضال السياسي من بابه الواسع داعما لمنظمة فرسان التغيير الساعية لإنجاز عملية تغيير سياسي يضع حدا لعشرينية العقيد اكتسب مهارات التموقع بحذر والأداء في هدوء مكنه من اللعب على وتر الانتماء للأغلبية وعدم التخلي في نفس عن أفكاره ورؤاه الساعية لإنجاز تحول سياسي يكرس الأداء الديمقراطي بشكل أفضل كما يقول.
فقبل عشر سنوات مر بتجربة المشاركة بحذر في معارضة ولد الطائع ونجح لاحقا في ولوج المشهد واكتشف كما حدثني قبل سنوات أن طريقة العمل الحزبي ضعيفة ولا تؤدي إلى نتيجة كما أنها تعاني من عوائق ذاتية تجعلها ليست أفضل وسائل التغيير وصناعة التحولات السياسية الناجحة في وقت وجيز وبتكاليف أقل عبر نضال وتعبئة سياسية جسورة تتوخي الوصول للغايات الكلية دون تعقيدات درجت عليها أغلب المدارس السياسية في البلاد. 
ستكون خطوة الشيوخ أهم حدث فرض السياسي الشاب على الساحة الوطنية حينما قرر وعدد من رفاقه في الغرفة العتيدة أن يعرقلوا مخطط الرئيس المعلن منذ مايو 2016 وبأسلوب لا يخلوا من احتقار وتحد للبلاد ونخبها وتاريخ الغرفة والمؤسسة الأكثر قربا من الرئاسة مبنى ومعنى.. فهذه الغرفة تحديدا ساعدت الرئيس عندما أراد أن يطبق الخطة ب بعد الانقلاب وبعد الرفض الداخلي والدولي لحماقة إلغاء المسار السياسي المدني للرئيس المنتخب وهو مسار بذلت فيه البلاد وشركاؤها الكثير ولكن العسكري المقال قرر أن يستغل نفوذه للبقاء في السلطة بدل أن يتحول لجنرال مقال ويربح البلد الاستقرار وتراكم التجربة الديمقراطية إنها النزعة الأنانية فقط تفرض في لحظة تاريخية ما خيار شخص نتيجة وجود خلل أسسه عقيد عاشق للبقاء الأبدي في السلطة فأصاب بلاده في مقتل ونظامه بطبيعة الحال.
تحطيم لحلم الرئيس
نجحت الخطة، بوقف تمرير رغبة الرئيس، ولكنها في معناها السياسي لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزت ذلك، لتمرغ أنف الرئيس في رغام تربة النعمة ورمضائها، لكل من يتذكر خطابه الاستعلائي، الفاقد للباقة السياسية لحظتها، لكون المؤسسة التي هاجمها لا تزال تعمل والواجب احترامها انسجاما مع "القسم على احترام الدستور والمؤسسات" لأن البرور باليمين يتطلب ذلك، لكن الموقف الرئاسي ذلك التاريخ، كان يحس بحشرجة وغصة تجاه هذه الغرفة تحديدا، ولم تكن الأسباب المباشرة مفهومة فالرجل وهو يهاجم المؤسسة البرلمانية من خلال هجومه على الغرفة كان ينفس عن نفسه هموما لا يلم بتفاصيلها أغلب المستمعين لحظتها لخطابه الذي يستحق أن يسمى خطاب النعمة التاريخي نظرا لما ترتب عليه من أحداث وما ألزم به السلطة من توجهات الحوار ومخرجاته فقدر النعمة أن كل ما يخرج منها تاريخي!
من الهامش إلى العمق 
تحول السناتور الشاب الطامح للعب دور سياسي من هوامش الفعل والأداء السياسي إلى عمق نسيج العملية السياسية فقد ولج ميدان العمل المدني قبل سنوات من خلال تأسيسه لتيار الفكر الجديد الذي حرك من خلاله المياه الراكدة في السياسة الموريتانية، وقد حدثني ذات مرة بتجاربه مع الداخلية والنظام، الذي شق تياره ومزقه، بعد ما بذل فيه جهدا بنائيا كبيرا من حيث القدرات التعبوية والتأطيرية، ليجد نفسه في النهاية أمام عملية نسف لكل مجهوده السياسي، في ذلك التيار الذي كان يحلم بأن يتجاوز به أساليب الحركات السياسية التقليدية ويؤسس به تيارا شبابيا جديدا في الساحة الوطنية.   
عندما نجح هو ورفاقه في وضع حد لطموحات الرئيس وإدخال النظام في دوامة تفتقر للمسوغات الدستورية المسلمة ووحد المعارضة خلفه ولملم خلال وقت وجيز أطراف حراك سياسي قوي ربما لا يتوقف قبل انتهاء مأمورية الرئيس الحالية ورسو سفينة السياسة على شاطئ يبتعد بالبلاد عن استمرار بقاء الحكم العسكري والزعيم الأوحد كما هو طموح الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
سيقول كثيرون إن هذا التوصيف مطلب بعيد المنال بالنسبة لطموح شخص واحد وسط مجتمع حيوي ينتج زعامات وأسماء لامعة في السياسة التي لا تتوقف دينامياتها عن إبراز قادة كثيرا ما يتقهقرون سريعا للخلف دون أن يتركوا بصمات قوية في لحظات وجودهم في الزمن السياسي الذي لا يحتفظ التاريخ إلا بلحظاته الفارقة ومن لحظاته الفارقة يبرز اللحظات الأكثر كثافة في التأثير في المشهد الكلي.
سمات قائد
إن السناتور الشاب قد ولج سكة النضال متدرجا تدرجا لا يمكن ألا أن يحتفظ له التاريخ فيه ببصمات كما أن القدر هيأ له ظروف نضال ولحظات مفصلية سجل من خلالها حضوره الفاعل في المشهد السياسي الوطني ونازل آلة نظام سياسي قوي عبر تنسيق تيارات وشخصيات بأسلوب في القيادة والتوظيف السياسي للفاعلين الكبار تحسد عليه خبرة الشاب الذي يعتبر في الوسط السياسي من ناشئة الفعل والأداء السياسي.
إن سمات الأداء السياسي العام للشاب الذي قاد تشبيكا سياسيا واسعا من أجل صناعة موقف سياسي كموقف الشيوخ وما سجلوه في التاريخ لصالح أداء المؤسسات الوطنية سيعتبر دائما نقطة تحول هامة في عمر النظام الحالي وفي أداء القائد السياسي الذي ساهم بفعالية في هذا الموقف.
كان بإمكان النظام أن يستفيد من الدرس ولكن عوامل خلاف الرئيس مع صناع هذا الحدث وتفسيرات الصراع الشخصي بين الرئيس وخصومه ومنافسيه "بوعماتو" كلها عوامل حرمته من التأمل والتقليل من شأن خصمه عبر حرمانه ألق انجاز موقف رائع يسجل أهدافا في مرمى السلطة ويضعها في وضعية محرجة.

 

28. يوليو 2017 - 1:13

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا