موسم اللعب بالنار! / محمد محمود ولد سيدي يحي

altلم يكن هذا الفعل الشنيع الذي أقدم عليه بعض السفهاء في مقاطعة الرياض تصرفا معزولا، ولا حدثا عابرا، لقد جاء تتويجا لشهور من التحريض في سوق النخاسة السياسي، جاء نهاية لمسارات رسمتها أقلام كنا نظنها قائدة، ومنابر إعلامية حسبناها لبعض الوقت رائدة. كان إحراق أمهات الكتب الفقهية التي تعتمدها المحظرة الشنقيطية، استهتارا بالرموز التي أجمع عليها مختلف الموريتانيين بفئاتهم وألوانهم ولغاتهم.

ولكنه جاء نتيجة منطقية لكرنفال سياسي من الاستهتار بجميع رموز السيادة ومصادر التوازن في مجتمع لا يقيم قادة الرأي فيه من سياسيين وإعلاميين وزنا إلا لمصالحهم الضيقة وحساباتهم الخاسرة.
منذ شهور تم تقديم هؤلاء السفهاء على أنهم مناضلون حقوقيون، يعول عليهم في ثورة مصطنعة، ويتقاسم الناس معهم مناصب خيالية في مجلس انتقالي وهمي.
منذ شهور أصبح تحدي العلماء ورموز البلد مغتفرا في حملة سياسية مسعورة لا تبقي ولا تذر، فالسياسة والنخاسة فوق كل اعتبار حتى ولد أدت إلى الدمار.
ما الذي يمنع السفهاء من حرق الكتب الدينية وهم يشاهدون تمجيد حرق الشباب لأنفسهم من أجل أغراض سياسية دنيوية وبتبرير ممن كان يعول عليهم في الذب عن الدين؟
ما الذي يمنع السفهاء من حرق الكتب الفقهية وهم يشاهدون طلبة العلوم الشرعية يمزقون دفاتر الدروس، ويشعلون إطارات السيارات أمام المؤسسات التعليمية، ويتطاولون على شيوخ العلم، ويرمون أساتذة الجامعة بالحجارة، كل ذلك من أجل أجندات سياسية ضيقة ؟
عندما اختلف العلماء حول بعض الأحكام السلطانية رأينا القذف والتشهير والسب والتحقير، وعندما تطاول السفهاء على شيخ حفاظ المحظرة الشنقيطية وزكاتها على العالم الإسلامي حبر الأمة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، قال السياسيون هذه معركة جانبية، لا تستحق أن تشغلنا عن أم المعارك الدنيوية، تأليف السفهاء من أجل المعركة أولى من الذب عن العلماء!!
لقد كان تطاول السفهاء على الكتب الدينية محاولة يائسة لربط قضية عادلة وهي محاربة التهميش والاسترقاق، بمشاريع سياسية تستهدف إثارة الفتنة بين الموريتانيين، وإيقاف مسيرة الدعاة المخلصين في تقريب الدين من المهمشين.
لا يخفى المنطق الصهيوني في محرقة الرياض، فهذا الفعل الشنيع سليل تقاليد مغولية لم يعد لها مكان في عصرنا اليوم.
لقد حمل هذا التصرف الأحمق كل معاني الاستكبار والاستهتار وهو يضرم النار في أقوال "عبد فقير إلى رحمة ربه منكسر خاطره من قلة العمل والتقوى" هو خليل بن إسحاق المالكي الذي تشهد فروعه على تشوف الشريعة الغراء للحرية في زمان كانت فيه العبودية ممارسة في جميع المجتمعات.
معاذ الله أن تكون العبودية مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية، لأن الدين الخاتم جاء لإخراج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار،
كان على الذين أحرقوا أمهات الفقه المالكي أن يحرقوا أولا جمهورية أفلاطون وكل الفكر اليوناني والروماني، وجميع منشورات وقوانين الحضارة الأوروبية والأمريكية قبل عصر الأنوار، كان عليهم أن ينزلوا إلى down town وأحياء الضواحي في المدن الغربية ليشهدوا ممارسات التمييز العنصري واحتقار الإنسان لأخيه الإنسان في مجتمعات تتشدق بحقوق الإنسان.
لم يكن من أحرقوا الكتب في مقاطعة الرياض مجتهدين، لقد كانوا مقلدين، لأن من يملك رأيا واجتهادا لا يحرق اجتهادات الآخرين وأقوالهم ولا يخاف منها.
يتحمل بعض السياسيين الموريتانيين وزرا كبيرا في هذه التصرفات الخرقاء، فقد كانوا أول من أوقد النار على الوطن ابتغاء حلية أو متاع سياسي زائل.
ها قد أصبح الذين أحرقوا الكتب في الرياض رمادا سياسيا وصاروا من الماضي، فهل يتعظ السياسيون الموريتانيون أم أنهم سيواصلون اللعب بالنار فَتُكْوَى بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ!!
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ..

29. أبريل 2012 - 12:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا