النشيد الوطني الجديد: الحماس..والارتباط بالدين والوطن / عبد الرزاق سيدي محمد

يُـمَثِّلُ النشيد الوطني  واحدا من أهم رموز السيادة الوطنية، و النشيد الوطني هو عادة  ما يكون مقطوعة موسيقية وطنية تثير وتمدح تاريخ البلاد وتقاليدها ونضالات شعبها، معترف بها إما من قبل الحكومة كنشيد وطني رسمي أو كعرف بين أفراد الشعب، و يعزف في المناسبات الوطنية والاستقبالات الرسمية وفي المدارس وقبل بداية لعب المنتخب الوطني.. الخ، وهو عادة ما يكون حماسياً يعزز من حب الوطن في القلب ويقوي الإحساس بالانتماء إليه.

يوم أعلنت  موريتانيا استقلالها عن فرنسا 28 نوفمبر 1960 اعتمدت بلادنا نشيدها الوطني، وهو مقطوعة شعرية من تأليف العلامة  المرحوم بابه ولد الشيخ سيديا، وتلحين الموسيقار أطال الله عمره سيداتي ولد أبه.
إن المتتبع لتاريخ الأناشيد الوطنية حول العالم الأوروبي و العربي، يعرف أن هذه الأناشيد  اكتسبت أهميتها الوطنية في أوروبا في القرن التاسع عشر، إلا أن بعضها أقدم من ذلك بكثير أصلاً، فأقدم الأناشيد الوطنية المعروفة، هو النشيد الوطني الهولندي "هت فلهلموس" والذي كتب بين الأعوام 1568 و 1572 خلال الثورة الهولندية، والنشيد الياباني، "كيمي جا يو"، وكلماته مأخوذة من قصيدة ألفت في فترة حكم هييان (794-1185)، إلا أنه لم يستخدم بشكله الحالي حتى عام 1880.
و النشيد الوطني للمملكة المتحدة "حفظ الله الملكة" وأحد أناشيد نيوزيلندا الوطنية، تم أداؤه للمرة الأولى عام 1745 تحت عنوان "حفظ الله الملك "، أما النشيد الوطني الإسباني،"الزحف الملكي"، فيعود لعام 1770 (ألف عام 1761)، بينما نشيد فرنسا " البؤساء"، كتب عام 1792 وتم تبينيه عام 1795، وقد كانت صربيا أول دولة في أوروبا الشرقية تتخذ نشيداً وطنياً عنوانه "قومي صربيا" في عام 1804.
على الرغم من أن النشيد الوطني عادة ما يكون باللغة الرسمية أو الأكثر شيوعاً في البلاد، لا ينطبق ذلك على جميع البلاد،فالنشيد الوطني للهند، "جانا غانا مانا"، هو نسخة سنسكريتية من البنغالية،ويجوز في بعض الدول التي تتبنى أكثر من لغة واحدة وطنية توفير عدة إصدارات من النشيد الوطني، فعلى سبيل المثال، النشيد الوطني لسويسرا يضم كلمات مختلفة من اللغات الأربع الرسمية للبلاد، (الفرنسية، الألمانية والإيطالية والرومانية ).
و في كندا، كتب النشيد الوطني بكلمات مختلفة لكل من اللغات الرسمية للبلاد، (بالإنكليزية والفرنسية)، وفي بعض الأحيان ينشد بمزيج من موشحات مأخوذة من الإصدارين الفرنسي والإنكليزي.
أما في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية  فإن الدولة العثمانية مع أنها درجت على استخدام الأناشيد الوطنية المختلفة منذ القرن الثالث عشر، إلا أنه لم يعرف للدولة نشيد رسمي ملكي حتى القرن التاسع عشر خلال حكم السلطان محمود الثاني ، كان نشيد الدولة العثمانية ملكياً غير وطني بالمعنى التقليدي بدايةً.
إذ أن النشيد كان يرتبط بالخليفة الإسلامي الذي يعتلي العرش ويتغير بتغيره،لكن في عام 1844، تم الاعتراف بنشيد " الزحف المجيدي" كنشيد وطني كجزء من حركة الإصلاحات التي تمت في عهد الخليفة عبد المجيد الأول.
واعتمدت كل من البلاد التي استقلت عن الدولة العثمانية نشيداً خاصاً بها فيما بعد،إذ اختير نشيد "الزحف من أجل الاستقلال" في تركيا عام 1920،و "حماة الديار" في الجمهورية العربية السورية عام 1936، "كلنا للوطن" في لبنان عام 1927، و"عاش المليك" في المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946.
أما في مصر، فتم اعتماد نشيد "اسلمي يا مصر إنني الفدا" في عام 1869، وتغير لاحقاً إلى نشيد "بلادي بلادي" عام 1979 بعد حل النظام الملكي،حيث تم اعتماد نشيد يجمع كلمات النشيدين الوطنيين لسورية ومصر عند قيام الجمهورية العربية المتحدة، لكن سرعان ما عاد البلدان لاستخدام أناشيدهما الأصلية بعد حل الوحدة.
ومنذ -  أن حصلت موريتانيا  على استقلالها بداية ستينيات القرن المنصرم- أُخِذ نشيدها الوطني من قطعة شعرية دينية أنتجها أحد أكبر علماء البلد قبل الاستقلال بعدة عقود، قطعة لم تكتسب مكانتها مما تحمل من وعظ ديني وحض على التمسك بتعاليم الإسلام، بل كذلك من المكانة السياسية والاجتماعية ومن الأدوار الحاسمة التي لعبها كاتبها، العلامة الراحل بابه ولد الشيخ سيديا في تاريخ المنطقة.
وفي العام 2011 دعت مجموعة كبيرة من المثقفين والشعراء إلى تغيير كلمات النشيد الوطني، معتبرة أن كلمات أقرب إلى الوعظ منها إلى نشيد دولة.
وقد تعالت أصوات منذ  فترة طويلة مطالبة بتغيير النشيد الوطني،ليطرح  تغييره من جديد في جلسات الحوار الوطني الشامل المنعقد في نواكشوط أكتوبر 2016 ضمن النقاط المعروضة للنقاش،وبعدها عرض  ضمن مقترحات  استفتاء 5 أغسطس 2017،إذ رأت  النخب السياسية و حتى المواطن العادي أن استبدال نشيدنا الوطني الحالي بنشيد آخر مناسب  ضرورة ملحة، وجاء ذلك من خلال التصويت على تغييره في 5 أغسطس 2017 ، و أن فكرة تغييره كانت مطروحة منذ عقود حتى من طرف من اختاروه، فإننا لن نكون معذورين في اختيار هذا النشيد والاجتهاد فيه والإحاطة به من كل الجوانب حتى يخرج على أحسن وجه، ونتطلع إلى نفس الاجتهاد في تلحينه بإيقاع حماسي حي تكون السيادة في عزفه للإيقاعات الموسيقية العسكرية القوية..
وفي هذا المقام فإنه لا مانع من تضمين النشيد الوطني الجديد مضمون آية من القرآن لكن ليس نص آية منه، و على احتواء النشيد الوطني الجديد كل المفاهيم والقيم السامية، ومراعاة سهولة حفظه..
و عقب إقرار تغيير النشيد الوطني الحالي من طرف  الشعب الموريتاني في 5 أغسطس 2017، وبعد تشكيل الرئاسة للجنة اقتراح النشيد الوطني الجديد قبل أيام من الآن، فإننا ننتظر أن يكون النشيد الجديد للبلاد "تراعى فيه الثوابت ومعايير الأناشيد الوطنية كالحماس وحب الوطن والارتباط بالدين والبلاد"، ونكلُ الأمر بالطبع للجنة صياغة النشيد بما فيها من كفاءات لتأليف نشيدنا الوطني الجديد.
ومهما يكن من أمر فإن  النشيد الوطني الجديد في موريتانيا سيكون أكثر حماسا من سابقه، كما أنه سيكون أكثر مراعاة للثوابت الوطنية ومعاني الحماس و الحب والارتباط بالدين والوطن.

30. أغسطس 2017 - 18:15

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا