أحداث العيون .. أخيرا استيقظ رصاص القمع المخزني / محمد الحافظ ولد الغابد

 

altالمشهد الجديد لمدينة العيون عاصمة الصحراء الغربية يوحي للمتابع بحتمية حصول تحولات سياسية كبيرة خلال الفترة القادمة ربما تقود لانعكاسات خطيرة على الوضع في المغرب ذاته.

ومن الآن فصاعدا يمكن للتيارات الصحراوية الراغبة في الاستقلال أن تواصل نضالها من داخل المدن التي تسيطر عليها المغرب منذ منتصف السبعينيات محاولة الإخلال بالمعادلة السكانية لصالحها وهو ما يبدو أنها فشلت فيه لحد الساعة.

 

ثورة الخيام

فقد أطلق الصحراويون مجددا نضالهم من داخل "الخيمة" التي ترمز بحق لمأوى العزة والحرية الذين يستمدهما الصحراوي من خيمته المتواضعة بعيدا عن الإغراء المخزني بأموال لا تشكل إلا جزءا يسيرا من عائدات الثروات الصحراوية المنهوبة لتمويل حرب حمقاء واستراتجية أمنية سخيفة حرفت الدور الذي ينبغي أن يطلع به المغرب في استكمال تحرير أراضيه المحتلة في (سبته وامليليه ومضيق جبل طارق) إضافة لضرورة أن يسعى المغرب لمحاسبة إسبانيا على جرائم التطهير العرقي التي مارستها إسبانيا والدول الأوربية ضد المغاربة والعرب المسلمين قديما وحتى في العصور الحديثة خصوصا جرائم قمع ثورة عبد الكريم الخطابي وغيرها.
وقد بات من الوارد جدا ترجيح الرؤية التي تقول بأن قضية الصحراء مفتعلة من طرف رجال المخزن بالتواطؤ مع إسبانيا لشغل الجيش المغربي بنزاع لا يقدم ولا يؤخر بعدما تأكدت الدول الأوربية أن أي ثورات استقلالية حقيقية تقضي على الملكية المغربية ربما تقود لتركيز الاهتمام شمالا لاستكمال تحرير المدن المغربية المحتلة والمضيق الاستراتيجي فجاء إغراء المخزن بضرورة احتلال الصحراء وملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الإسباني محققا عدة نتائج تخدم رجال المخزن وإسبانيا؛ فمن جهة سينشغل الجيش عن الانقلابات التي انطلقت عنيفة منذ 1972 كما سيجد المغرب عرشا وجيشا نفسه غارقا في مستنقع الصحراء من جهة أخرى ولا طاقة لديه للالتفات شمالا لاستكمال تحرير أراضيه وهذا ما يخدم الإستراتيجية الإسبانية تماما. أما العرش ورجال المخزن فسيتفرغون للهو والملذات بعيدا عن الفزع المستمر من كابوس انقلاب اصخيرات 1972 وما تلاه. 

 

حرب بلا نتائج

وفي هذا السياق اندلعت الحرب في العام 1975 وهي الحرب التي حركتها المغرب وموريتانيا بالاتفاق مع إسبانيا بينما شكلت جبهة البوليساريو المدعومة من الأنظمة الثورية وحركات التحرر الوطني في إفريقيا والعالم العربي الطرف المناهض لهذه الحرب وظن المرحوم الحسن الثاني أنها لن تطول ونجح خطاب الحركة المدعومة بقوة من الجزائر في اعتبار جل دول العالم المغرب بلدا محتلا للصحراء الغربية التي لم تكن عبر تاريخها الطويل جزءا من الحكامة العلوية في المغرب الأقصى وإن ظلت العلاقات الوطيدة قائمة بين قبائل الصحراء وحكام المغرب على مر العصور.
اندلعت الحرب التي خسرتها موريتانيا سريعا وخرجت منها بعد ثلاث سنوات وتكبد المغرب في الحرب خسائر كبيرة لم يعلن عنها وظلت طي الكتمان بينما حققت جبهة البوليساريو نجاحات دبلوماسية كبيرة تمثلت في حصار الاعتراف بالجبهة للمغرب والذي اضطرها للخروج من منظمة الوحدة الإفريقية التي اعترفت بالجبهة ممثلا للشعب الصحراوي وما تزال المغرب وإلى اليوم كلما أقنعت إحدى الدول الإفريقية على حدة برؤيتها تعتبر ذلك نصرا دبلوماسيا كبيرا.

 

مناورة الحكم الذاتي

التطور المفصلي الأهم كان وقف نزيف الحرب وما تلاه من إعلان المبادئ المشترك 1988 الذي يرسم وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة ثم ما تلا ذلك من تقدم المغرب بمبادرة للحكم الذاتي غير أن حدة الصراع بين الجارتين ودخول عوامل الصراع الجزائري المغربي على النزاع على الصحراء الغربية وتحديد مستقبلها حال دائما دون التقدم حيث فهم الصحراويون المبادرة المغربية في إطار سياسات المناورة والاحتواء المكشوف الذي يعتمد إستراتجية الدهاء والعطاء ذات الطبيعة المخزنية الراسخة.
وهذا ما جعل قطاعات واسعة من الشعب الصحراوي ترفضها خصوصا وأن المغرب لم يصحب فكرة المبادرة بتخفيف القبضة الأمنية والعسكرية على الإقليم وظل يعتمد ذات الإجراءات السابقة التي كانت متبعة في العقود الماضية وهي إجراءات وأساليب لن تروق للصحراوي الذي ألف الحرية في صحرائه ولم يكن من طبعه دائما التحنث في محاريب المخزن المغربي الذي تطبعه سياسات الاستعلاء الرتيبة والمملة والتي لا يمكن أن تكون جاذبة بحال للمزاج الصحراوي المتقلب إلا إذا درست المغرب هذا المزاج وحللت بعمق نفسية الشعب الصحراوي وحاولت التوغل فيها برفق بعيدا عن أساليب الإغراء المكشوف أو التهديد الدائم والمباشر والتي ظلت هي الحاضر الفعلي في تدبير الملف.
ولا شك أن جبهة البوليساريو كانت أكثر مرونة في تعاملها مع الذين يصفهم المغرب بالعائدين واستقبلهم وجعل منهم أبطالا ثم وجدوا أنفسهم في أروقة مخزنية لم ترقهم ولم يسمعوا خلفهم من خطاب الجبهة ما يسوؤهم أو يُعَنِفُهُمْ، ولذلك رجع كثير منهم للخط التحرري الاستقلالي وظل صامتا حتى كانت ثورتهم الحالية والتي سيشعل قمعها بالشكل المعتمد حاليا فتيل ثورة واسعة في المستقبل لأن الصحراويين لن ينسوا ثأرهم القديم .. الجديد.. بسهولة.

 

علاج الملك الراحل

إن الملك الحسن الثاني رحمه الله وهو أذكى الملوك العرب في هذا العصر قد تنبه بسرعة لأهمية استيعاب الصحراويين سلما محاولا بناء جسور العلاقات معهم على أسس جديدة ونجح نجاحا كبيرا في ذلك وأكد مرارا أنه يريد أن يسل سخائم الصدور وأن يترك لابنه (الأمير سيدي محمد) عاهل المغرب الحالي علاقة ودية بالصحراويين خالية من العداوات والثارات لكن الابن الدارس للعلاقات الدولية مع شمال المتوسط ربما لم يعض بالنواجذ بما فيه الكفاية على إرث والده الناتج عن تجربة فعلية وليس وليد تخمينات معيارية كما هي تخمينات العلاقات مع شمال المتوسط.

 

المزاج الصحراوي قـُـلـَّـب

إن الذهنية الصحراوية ظلت عبر العصور عصية على التطويع المخزني وشكلت الحرية وصراع العوامل القاسية مكونا رئيسيا للشخصية الصحراوية الطموحة والتي تمدها القبيلة بنفسية العزة والشموخ والتمرد على السطوة الملكية الكاسرة للعزة والمنعة كما أشار القرآن على لسان ملكة سبأ العربية :"إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" ولذلك نقرأ اليوم في تاريخ المغرب الكبير والشمال الإفريقي التأثير الواسع لقبائل المعقل أجداد كثير من قبائل الصحراء الغربية الحاليين وكذا قبائل بني حسان الجعفرية في موريتانيا فقد أحدثت هذه القبائل في المنطقة ثورات اقتلعت عروشا وحطمت ملكيات وإمارات.

 

الاستيعاب أمثل

ومما لا شك فيه أن الأسلوب الأمثل للتعاطي مع الملف الصحراوي هو أسلوب الاستيعاب المدروس الذي يترك لأبناء المناطق إدارة إقليمهم ويسمح لهم من الحريات بما لا يسمح به عادة ولو أن المغرب رفع يده عن الإقليم لجاء بعد سنوات التخبط والانتشاء الأولى راغبا في الانضمام للمغرب ملبيا بيعة العرش مديرا ظهره للجزائر المنشغلة في صراعاتها الداخلية وكان الوقت الأمثل لذلك سياسيا الفترة التي انكفأت فيها الجزائر على نفسها منشغلة بما تلا الانقلاب على المسار الانتخابي 1992 ولكن يشاء الله أن تكون تلك السنوات أيضا هي سنوات مراجعة وانتقال سلطوي هادئ في المغرب ذاته.
ولا بد أن نؤكد على ضرورة ينبغي أن تعيها النخب الصحراوية وهي أنهم مطالبون بالتقليل من اعتمادهم على الجزائر وأن يتجهوا إلى النضال الداخلي من على الأرض المحتلة وساعتها لن يكون ثمة معنى لاتهام الصحراويين بالعمالة للجزائر كما أن الجزائر مطالبة بأن تحدث تغييرات جوهرية في علاقتها بالملف ونحن نقترح عليها أن تمنح إقليم تندوف الصحراوي البيظاني فرصة الانضمام لنضال الصحراويين وتساعد الجمهورية الصحراوية على أن تكون حقيقة فعلية على الأرض الصحراوية.

 

الواقعية لا تمحو الحقائق

ولا يمكن نسيان الموقف الموريتاني من هذه القضية والذي فرضت عليه واقعية السياسة أن يعتمد خيار الحياد في هذا الصراع بعد تجربة الحرب المريرة ولكن تبقى حقائق الجغرافيا والتاريخ والثقافة تحتم على موريتانيا المجتمع والنخب وحتى السلطة أن تتذكر دائما ما كان ينادي به دائما الرئيس المختار ولد داداه حتى قبل الاستقلال من أن حدود دولتنا تمتد شمالا إلى تيندوف وتمتد شرقا إلى أزواد إنها حقائق الجغرافيا البشرية والتاريخ الواحد والثقافة المشتركة ونحن الآن وإن قسمت السياسات الاستعمارية أقاليمنا شذر مذر فيجب أن نعض بالنواجذ على هويتنا الحضارية بنكهتها الصحراوية المشتركة ... وموريتانيا يجب عليها أن تتذكر دائما أنها الخيمة الكبرى الرحيمة بكل شعاب هذه الصحراء البيظانية فلا بد أننا نذكر قول أبي تمام: 

فاضمم أقاصيها إليك فإنه *** لا يزخر الوادي بغير شعاب

14. نوفمبر 2010 - 14:35

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا