مكانة القدس تظهر أن قادة عرب أسلمت أسماؤهم وكفرت أفعالهم؟!... / د.محمد المختار ديه الشنقيطي

القدس لنا القدس قبلتنا الأولى وثالثة الحرمين عندنا ومسرى نبينا ومكان تجلي إمامة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي عربون وحدتنا وسر تفجير طاقاتنا، وساحات تجلي معجزات نبينا في الصراع مع اليهود وأطوار النصر وأوقات الضعف والانكسار وحتى الهزيمة، قال تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير...}، سورة الإسراء ، الآية " 1.

يعد القرآن الكريم دستور الأمة الذي تستمد منه أسس ونظم حياتها، والسيرة أو السنة هي التمثل والتطبيق المنهجي لأوامر وتوجهات القرآن الكريم، الذي وصفه الله بقوله:{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} سورة الإسراء، الآية : 9 .

ومنهج النبي - صلى الله عليه وسلم- هو القدوة الكاملة في جميع شؤون الحياة، والتي علم الله أن أهلها والمكلفون بعمارتها يحتاجون إلى قدوة أعدت إعدادا إلهيا إيمانيا وأخلاقيا لذلك، وهي هنا النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه ربه وباعثه ومعده:{ وإنك لعلى خلق عظيم}، سورة القلمـ الآية: 4 . وقال فيه:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، سورة الأنبياء، الآية/ 107 .

فالأمة الإسلامية وإن بدت اليوم أمام أحداث القدس ضعيفة مستباحة، فإنها في الحقيقة خلقا وقيما وحضاريا موجودة وقوية، وهي تستمد قوتها من خلال خصائصها ومقوماتها التي تمتاز بها عن غيرها من الأمم، كصفاء عقيدتها من الشرك وشمول تلك العقيدة لكل مظاهر الحياة، ثم خلود وربانية منهجها وكماله وبراءته من النقص، ثم بكونها وسطا وشاهدة على الناس، قال تعالى:{ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن فبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، سورةالبقرة، الآية : 143.

فمن الأساس العقدي المتين الذي يؤسس له القرآن ويبنيه الإيمان في حياة الإنسان ينطلق الإسلام بالإنسان لتحرير الإنسان من عبوديته للإنسان أو للحجر أو للشجر أو للعادات والتقاليد والمكاسب والمنافع المادية وكل صور الجبت والطاغوت، ليجعل التوحيد والعبودية خالصة لوجه الله تعالى، وذلك بمنهج القرآن المنضبط والملتزم بقواعد وأسس الأخلاق التي تهذب السلوك وتطهر النفوس وتنقي العادات، لصياغة المسلم النمودج، وذلك هو المقصود في الأمر والبيان النبوي:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، الألباني سلسلة الصحيح: 1988، ج1، ص :404.

فالسيرة أو السنة النبوية تتقدم مسيرة الحياة لتقدم للساسة والمربين الأسس التربية التي أراد القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يبني عليها بنيان الأمة ويربي عليها أصحابه، وأمته من بعده وهي: الأسس العقدية والأسس الأخلاقية والأسس العلمية والأسس الجهادية، وهو في ذلك ينهج بهم نهج تربية الحواس ووجوب التعلم ونشر العلم واستمرارية التعلم ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين والتوجيه المتعلم نحو التربية والتجديد والانفتاح، وهي الأسس والمبادئ التي ساهمت في بناء مجتمع إسلامي قوي استطاع أن يتسور أحد أفراده العاديين سوار كسرا، كما استطاع أن يصمد في وجه التحديات لقرون طويلة.

وكان المنهاج النبوي القرآني في تربية يعتمد: التربية بالقدوة، والتربية بالقصة، والتربية بالأحداث، والتعليم بضرب الأمثال، والتربية بالوعي بسنن الله الناظمة للكون والمتحكمة في القوة أو الضعف وأسباب النصر والهزيمة، أو العزة أو الذلة، وهادي الوحي يدعونا:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}، سورة الأحزاب، الآية : 21 .

ذلك لأن السيرة أو السنة النبوية لم تكن سجلا للمعجزات والخوارق، كما يحلوا للبعض أن يتناولها، ويشغل الناس بذلك الجانب منها، ولكنها كانت جهادا جهيدا، وتوكلا سليما تعامل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- مع نواميس الكون وقوانينه تعامل الخبير البصير، لا تعامل المعرض عنها المتجاهل لها.

بهذا المنهج التربوي وتلك القيم خاض النبي - صلى الله عليه وسلم- معركة الإيمان مع الوثنية العربية أولا وبنجاح لا نظير له في التاريخ، فأرسى دعائم التوحيد الخالص لله عز وجل، وتغلب على قريش التي وقفت بعناد وصلف وغرور في وجه الدعوة، والتي كان لموقفها أثر كبير على مواقف العرب الآخرين منها، لما كان لها من الزعامة والمكانة المرموقة فيهم، لتلك الزعامة التي نالتها للعديد من الأسباب والتي كان من أقواها سدنتها للبيت الحرام، ولم يذعن العرب للنبي- صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن أذعنت قريش وفتحت مكة، وبفتحها افتح الطريق أمام الدعوة لا إلى بقيت العرب فقط ، ولكن للعالم أجمع .

هناك اليوم أمراء ورؤساء في هذا العالم العربي الإسلامي آمنت أسماء هم وكفرت أفعالهم، فهم لم يعلنوا عن كفرهم ولم يتمسكوا بإسلامهم حسدا وحقدا على إخوانهم  من جما عات الإسلام السياسي وقادة يحسبونهم داعمين لهم، فتجد مثلا المحمدان الإماراتي والسعودي قد أكل الحقد والحسد قلوبهم على إخوان لهم في الدين لا ينافسونهم لا في المال ولا في السلطان، وهم يعلمون في قرارة نفوسهم أنهم في السياسة أقوم منهم منهجا وفي الدين أهدا منهم سبيلا.

أغلب أعراب حكم العرب اليوم يمثلون نماذج من أعراب بدو العرب الأول في حياتهم والتي كانت تتحكم فيهم نوازع الجهالة والبداوة والحسد والطمع والتنافس والتنازع، كان أمية بن أبي الصلت وهو أحد أعيان العاصمتين الدينيتين في شبه جزيرة العرب الطائف قد كفر بالوثنية السائدة وتمسك ببعض من بقيا رسوم الدين وكان يعبر عن ذلك بقوله:

إن آيــات ربـنـا  ثـاقـبات *** لا يمارى عيهن إلا الكفور

خلق الليل والـنـهـار فــكــل *** مستبين حسابه مقدور

كل دين يوم القيامة عند الله *** إلا دين الحنفية يبـور

إلا أن الرجل رغم عزوفه عن عبادة الأوثان وإيمانه بالبعث إلا أنه لم يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم- حينما جاءته رسالة التوحيد، لأن الحسد أكل قبله على النبي- صلى الله عليه وسلم- شأن الكثيرين في العاصمتين الدينيتين مكة والطائف من الذين كانوا يرون في أنفسهم أنهم أحق بالنبوة، ولكن الله تعالى رد عليهم أبلغ رد بأن النبوة هبة من الخالق يعبها لمن يشاء من عباده، وكذالك الهداية والتمسك بقيم الدين والعمل له، فعند ما قالوا:{ لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} سورة الزخرف، الآية : 31 .

رد عليهم الحق جل في علا ه قولهم فقال:{ أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيواة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجت}، سورة الزخرف، الآية : 32 .

فقد أعمى الحسد أبصارهم عن إدراك الحقيقة، فأمية بن أبي الصلت- الذي كان يبشر في شعره بدين جديد- دفعه الحسد لأن يتخذ من النبي – صلى الله عليه وسلم- موقفا معاديا تماما كقادة حكام الخليج اليوم مع الجماعات الإسلامية الأمر الذي دفعهم إلى ذلك الموقف المتواطئ المخزي مع اليهود، فلم يؤمن أمية برسالة الإسلام، بل أكثر من ذلك أظهر تعاطفه مع قريش، حتى أنه حزن حزنا شديدا على قتالها في بدر ورثاهم بشعر كثير، تماما كحال زعماء حكام العرب اليوم مع اليهود وزعيمهم المعتوه اترب وخبال رسله من العلمانيين المسوقين للتطبيع، وصدق الله العظيم إذ يقول:{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكفرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، سورة التوبة الآيات : 32 ، 33. ؟. يتواصل ...

13. ديسمبر 2017 - 18:06

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا