المعرفة في مهب التقشف .. حيادية التعليم / عبد الكريم الحر

حينما نتطرق للمعرفة بما هي كل متكامل، يمثل كل الابداعات الإنسانية من علوم وتكنولوجيا وفنون وخبرة... ويعتبر التعليم أفضل آلية لاكتسابها، بما هو وسيلة لفهم وتبصر الواقع، بطريقة موضوعية. لكن موضوعية مناهج التعليم هذه لا تعدو كونها نزعة إسمية، ذلك أن الحياد والموضوعية لا وجود لهما سوى في أذهاننا، لأن لكل تعليم مقصد وغاية فلا يوجد تعليم يتعلم لذاته. وهذا ما يحيلنا للقول إن التعليم والمعرفة في عالمنا الحاضر محكومان

 بحتمية الأدلجة والتوجه السلطوي أي: منظومة "تعيد انتاج هيمنتها"، تأكيدا لفلسفة ميتشل فوكو في فلسفته النقدية إذ يرى أن المؤسسات التعليمية لا تعدو مراكز تدجين، وهذا ما يقودنا إلى مفهوم "تشيء الإنسان"، إذ الفرد فيها لا يعمل لينتج أو ليقدم الأفضل، وذلك لانشغاله معظم الوقت بوظيفته خدمة الجهاز الإداري والمحافظة على وظيفته. فحيادية التعليم: أي أن التعليم المؤسساتي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام القائم، وبالنظام الاجتماعي والديني، حيث نرى أن الدول تختلف في طبيعة أنظمتها التعليمية، حسب اختلاف طبيعة التوجه السلطي فيها، إذ من المفترض أن يحدد التعليم، طبيعة السلطة.
جون رولز في كتابه "العدالة كإنصاف" الذي يتحدث فيه عن نظريته حول العدالة والتي يراها نظرية لا يمكن تطبيقها إلا في مجتمع ديمقراطي أو ما سماه هو بمجتمع حسن التنظيم، وهذا ما يعني أنها نظرية مربوطة بنظام سياسي معين، بدل ارتباطها بمدى تعلم ووعي المجتمع. ومما يسلط الضوء أكثر على أن التعليم موجه من السلطة لإعادة انتاج هيمنتها باستمرار، هو عدم وجود أي إشارات من السلطة الحاكمة لمحاولة دمج الخرجين وحتى المتفوقين منهم في القطاع العمومي، وذلك بتشجيع الخرجين الجدد، على الاستثمارات الخاصة. وهذا ما نتج عنه بطالة في اضطراد مقلق، لأن السلطة حريصة على استمرارية أوجه بعينها كواجهة للإدارات التي اتخذت من المحافظة على مصلحة السلطة الحاكمة هدفا أوليا.
وبتسليط الضوء على تراجع اقبال التلاميذ على المؤسسات التعليمية العمومية ــــ بسبب تردي وضعية التعليم العمومي، حيث اضطرت الدولة إلى بيع بعض المؤسسات التعليمية بالعاصمة نواكشوط لقلة الاقبال عليها، على خلاف التعليم الخاص الذي يشهد اقبالا منقطع النظير ــــ وكوسيلة لمحاربة هذه الظاهرة، قامت السلطات بسب رخص التعليم الخاص من المدارس كلها، بدون استثناء، معللة ذلك بما جاء، على لسان وزير التهذيب الوطني، حيث قال: "أن الحكومة قررت ابتداء من السنة الدراسية 2017 / 2018 سحب رخص فتح مدارس ابتدائية، من جميع المدارس الخاصة، وأن يتم توجيه التلاميذ نحو مدارس عمومية... وذلك أن المناهج الابتدائية أصبحت تختلف حسب رغبة الوكيل، وهذه مخالفة صريحة للقانون".
وهكذا إذا رأينا أن التعليم العمومي في جميع مراحله لا يعدو كونه، طريقة تدجين ممنهجة، تحكمها الرأسمالية بمنطق "من يدفع أكثر يحصد أكثر"، وهي طريقة أبعد ما تكون عن الحياد والاستقلالية، وبما أن العالم يهدف إلى تكوين ما يعرف بمجتمع المعرفة وهو المجتمع الباعث على الحراك الفكري، والاجتماعي، وهذا هو الشيء الذي تفتقده مجتمعاتنا العربية. وإذا ما أردنا اللحاق بركب العالم المتقدم، ومسايرة العصر، فلا بد لنا من الحرس على تكوين مجتمع المعرفة، لأن لكل عصر ثروته، وثروة العصر الذي نعيش فيه هي المعرفة.

20. يناير 2018 - 1:28

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا