لا أريد أن أطيل عليكم / محمدو ولد البخاري عابدين

تنشط منذ فترة، وستزداد نشاطا بعد تأكيد رئيس الجمهورية لمجلة " جون آفريك " عدم عزمه الترشح لمأمورية ثالثة، محاولات أتباع المعارضة من خارج أطرها الحزبية في الإعداد لما يسمونه فرصة 2019، البعض يُنظر ويرسم خرائط الطريق، والبعض الآخر يطلق المبادرات ويعقد الاجتماعات لربط أقطاب المغناطيس السياسي، والأهداف تصب كما يقولون في هدفين رئيسيين، توحيد صفوف المعارضة، واختيار مرشح موحد لرئاسيات 2019 الفرصة.

 ولا نعرف حقيقة، وبالتأكيد لا يعرف الساعون أنفسهم، أي هذين المسعيين أصعب، ولا أيهما أسهل للبدء به..!
هيهات، هي لعمري فرصة ضائعة، فالحظ الوافر والأوفر في أي استحقاقات قادمة هو من نصيب الفريق الحاكم اليوم، مهما شن عليه خصومه من الدعاية والوصف بالتآكل والتدابر رميا بالداء.. لا لأن المعارضة متخاذلة ومتدابرة بشاهدة أنصارها أنفسهم هذه المرة، ولا لأنها عاجزة عن تقديم مرشح موحد يصفه لها أنصارها بأنه هو ما يحول بينها والتربع على كرسي الحكم، ولكن لأن هذا الفريق هو من يمتلك برنامجا معروفا ومُعاشا يمكن الموريتانيين، وهم يختارون بين برنامجين، من أن يقولوا طائر واحد في اليد ولا عشرة فوق الشجرة.. تؤازره قوى وفعاليات عريضة شبابية ونسائية ومهنية وثقافية.. وتحالف سياسي وازن لا نستبعد أن يتعزز، في وقت لا حق، بقوى المعارضة المحاورة التي " شُفيت " أو تخلصت من عقدة الموقف النابذ للرئيس عزيز، لتندمج البرامج والرؤى المستقبلية للجانبين في خدمة البلد، أو على الأقل نتمنى ذلك.. وهو أيضا من يمتلك مكتسبات على الأرض في جميع مجالات حياة الناس، والتي طال أغلبها ألئك منهم الذين يلح أنصار المعارضة اليوم عليها بالنزول إليهم في مناطقهم لكسبهم.
لكن هيهات مرة ثانية، فاليوم ليس الأمس، وتدرك المعارضة جيدا كيف سيكون حجم التفاعل معها لو نزلت لهذه الساحات اليوم، وقد كان يمكن لها النزول لهؤلاء في مناطقهم لتجد من بينهم أنصارا عندما كانوا معزولين خلف الأودية المتدفقة والرمال والجبال، عندما كانوا يشربون محاليل من الماء والطين والديدان والأملاح إن وُجدت تلك المحاليل أصلا، عندما كانوا يتكدسون هنا في العاصمة على جهاز وحيد لتصفية الكلى، عندما كانوا يسمعون بأن شواطئ بلدهم غنية بالأسماك ولم يتذوقوا طعمها منذ أن ولدوا، عندما كانوا يتعالجون في خرب كمراكز صحية خلفها الاستعمار في مدنهم، عندما كان ابناؤهم يدرسون في أطلال مدارس بناها سماسرة في زمن الهدر والهدم واللامسؤولية، وعندما كانوا لا يستطيعون مجرد الأنين أحرى التعبير عن تلك المعاناة..!
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لن يسلم الموريتانيون مصيرهم لفسيفساء يسمعون كل صباح عن خلافاتها وتدابرها حتى على مجرد اختيار رئيس رمزي لتكتلها لمأمورية من ثلاثة أشهر، فكيف بها إذا وصلت للحكم وهي على هذا الحال ليشتد وطيس خلافاتها وتدابرها عندما يكون بين يديها ما تتدابر وتتنازع عليه؟ بالتأكيد، التخلص من نظام ولد عبد العزيز هو الهدف الأول لدى هذه الفسيفساء، وهو الهدف الجامع لها أكثر من أي رابط آخر، ولكن الأمر بالنسبة لبقية الموريتانيين يختلف، فلا يرون أن مشكلة البلد في الرئيس، وبالتالي لا يمثل التخلص منه في حد ذاته هدفا لهم..
هل تتذكرون أننا قلنا لكم مرات إن مفهوم المعارضة لما تسميه التداول على السلطة هو فقط التخلص من نظام الرئيس عزيز كاملا وإلا فلا تناوب؟ هذا هو موقف المعارضة الذي لم تستطع إعلانه مجتمعة لإدراكها بأنه ليس من حقها الاعتراض على سعي أصحاب مشروع مجتمعي في الدفاع عنه والتناوب عليه، لكنها مررته عبر أحد أقطابها المتمثل في حزب " إيناد " المتخندق مواقفيا مع حزب " التكتل " حيث أعلن أنه لا فرق بين مأمورية ثالثة لولد عبد العزيز ومأمورية ثالثة لنظامه..! وما ذلك إلا اعترافا منه بعبثية تخيل حدوث مفاجأة في رئاسيات 2019 ووصول المعارضة للسلطة، وحتمية بقاء هذا النظام كنهج ورؤية ومشروع سياسي في السلطة، وذلك لما يعتبره هو والمعارضة من بعده دور للإدارة وتدخلها في الانتخابات، بينما يعتبره الكثيرون رغبة من غالبية الموريتانيين في استمرار نهج عاشوه وجربوه فحقق لهم كثيرا من أولوياتهم، وبعث لديهم الأمل في تحقيق المزيد. هذا لكي تكون الأمور واضحة من الآن، ومن أراد بعد ذلك أن يحلم ويتخيل ويُنظر فله ذلك..
             

2. مارس 2018 - 22:02

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا