حزب الاتحاد من أجل... واللحظات التفكيرية وما بعد التعديلات الدستورية ؟! / د.محمد المختار دية الشنقيطي

لا شك أن الإصلاح الدستوري في كل نظام ودولة يعتبر من أهم آليات التحول الديمقراطي، لأن الدستور هو الذي يوضح طبيعة النظام السياسي، وهو بمثابة عقد اجتماعي بين الشعب والنظام الحاكم أو الذي سيحكم.

والدستور هو الذي يرسم ملامح التغير السياسي والديمقراطي المستقبلي، كالتحول من نظام سياسي يقوم على نظام الحزب الواحد إلى نظام يقوم على التعددية الحزبية، 

من ما يعني تغيرا في القواعد التي تنظم التداول على السلطة.

وهذا بالطبع هو ما لم يتحقق ولم يكن مقصودا أصلا فيما ما سميناه بالتعديلات الدستورية الأخيرة، ولتي لم نفهم بعد نحن بالضبط، ما المغزى والفائدة السياسية والتنموية والحضارية الوطنية المرجوة أصلا من تلك التعديلات لتك المواد التي تم تعديلها، وحتى النظام لا نرى أنه يعرف ذلك، وبدليل أنه لم يرتب على تلك التعديلات أي أفعال ولا مظاهر سياسية وإدارية تعبر وتترجم عن اعترافه بتحصيل مكاسب من تلك التعديلات، بل الواضح البين أنه بتصرفاته في إدارة الشأن العام والتدبير السياسي يقر ويعترف عمليا بأنها غير جدية ولا مفيدة أو بأنها مرفوضة فعلا من المواطنين المعنيين بالتصويت عليها .

والمعروف من تاريخ السياسة ونضال الشعوب والدول التي تتشابه معنا أن الحرية في بيئات الجهل والتخلف تكون عبئا ثقيلا على الشعوب التي لم توفق نخبها في تحضيرها لتحمل مسؤوليات وواجبات النهوض وبناء مؤسسات الدولة والمجتمع، الأمر الذي يجعلها في حس أنظمت التخلف والاستبداد خطرا وعائقا لا قسطاسا مستقيما، للنهضة والتطور والبناء .

فمن السهل جدا أن تشتم الخلائف السياسية أسلافهم من الساسة المؤسسين، والرواد المنظرين، ولقد اتبع ساستنا تلك الطريق المملوءة بالأشواك وذلك النهج غير القويم، ودون أن يتناولوا بالتفكير والبناء أي مشكلة حقيقية من مشاكل الفشل والعجز والتخلف الواقفة في وجه بناء الدولة ومؤسسات المجتمع ما قبل الاستقلال وما بعده، الاستحقاق الذي يزرع في حيتنا اليوم القلق، واليأس والركود، والفوضى السياسية والخوف من المستقبل والتساؤل عن الأسباب والمخارج وارد جدا؟

وفي محاولة الجواب على ذلك يحاول البعض وبكل بساطة ركوب حماره العتيق الأعرج، وهو يصرخ في وجه الناس الواعين والمغفلين الخائفين والذين كسروا حاج الخوف: ليس في الإمكان أحسن من ما كان، والتسقط أطروحات التغير وأفكار الحداثة منتجات الاستعمار ومخلفات الحرمان وأدوات الاستعمار الجديد.

وما يزيد تعقيدا في السياسة وحرمانا من أفكار التغير وأشواق النهوض، عند نخبتنا، أن ما يجري من أحداث مأساوية في المحيطين الإقليمي والدولي، تعطي مبررا وتمثل دور قميص عثمان عند أولئك الماسكين تسلطا واستبدادا بزمام السلطة وحق المبادرة في تضليل الشعوب وإحباط كل خطط ومحاولات التغير والحيلولة والتحذير من العمل على التغير وممارسة حق النضال؟

الأمر الذي جعل من أشواق النهوض وأفكار التغير أكثر جدية وإلحاحا من أي وقت مضى، وذلك لأن الآلام التي تثقل كاهل المواطن العادي اليوم، باتت أشد ما يكون من الضغط وجلب أسباب الخوف والقلق، من الحاضر والمستقبل، الأمر الذي يستوجب منا جميعا سلطة ومعارضة أن ضع حدا حديا وفاصلا مع ثقافة الخوف من المستقبل، وأن نوجد ذلك الحد بهدوء عملي، ودون ضوضاء الصراعات والخصومات الفاقدة عندنا لبوصلة المبررات العلمية والعملية الموضوعية ؟

ولن يتحقق لنا ذلك مطلقا إلا حين نكف عن ممارسة ثقافة التخويف والتخوين والصراخ والتحشيد الفئوي والقبلي والجهوي والعسكري، الذي تمارسه نخبة الحكم وبلا وعي، ونتجاهل مخاطره ونتائجه المدمرة لا للتغير والنهوض فحسب وإنما للوجود والبقاء، فنحن وفي هذه اللحظة مطالبون وأكثر من أي وقت مضى أن نحقق عمليا وواقعيا انتصار التفكير على ردات الفعل، وأن نتمكن من جعل ذلك التفكير تنتج عنه سلسلة تغيرات حقيقة لا أقول ثورية ولكنها جادة في البناء والتغير حتى لنمط العلاقات بين المكونات والفر قاء السياسيين، بل وبين المواطن ومؤسسات الدولة والمجتمع.

أحاديث الناس اليوم في السياسة والتداول السلمي أحاديث ذو شجون عند العامة، لكنها بالنسبة للسياسيين حدث عنيف وخطير كان الأجدر به في السياسة أن يثير التفكر والعمل الجدي لتقديم جواب ملائم للواقع والمرحلة الحرجة، بدل ردات فعل التبشير أو تنفير المطالب بالمأمورية الثالثة أو الرفض لها.

والابتعاد عن أن يلوذ الفاشلون العاجزون في السياسة بمقولة: إلى الأمام يا حماري! وحماره أصلا ظهره قد وهن، ولا يمكن أن يمارس فوق ظهره تلك البهلوانيات المعهودة، في السياسة، والتصدر لقيادة الشأن العام، بل الواجب على الجميع أن يوجدوا حمارا يحملون عليه خطايا هم وفشلهم في السياسة وتضيعنا في متاهات صراع الحظوظ، وهلع وفزع مطامع السلطة والبحث عن الزعامة والقيادة، سمات ودوافع وأغراض الجميع .

في جو فشل النهوض وقحط السياسة، نعيد التفكير في الواقع وأطماع الساسة مرة بعد مرة، ونحاول أن نلعن ذلك الخائن المتمرس والذي لا نعرف على وجه التحديد من هو؟ هل هو نحن حين نخون أنفسنا وواجباتنا، وندق مسمار الوهن والموت في أشواقنا وطموحاتنا، ونقتل نظام دفاعاتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، إن الخيانة لكل الشعب ولبناء الوطن متلبس بها كل فرد من أفراد الساسة في الموالاة والمعارضة في اليسار وفي اليمين، في الأمام وفي الخلف .

لاشك أن رسل الدولة العميقة ودعاة المأمورية الثالثة قد ضحكوا حتى القهقهة حين رأوا عودة حليمة(المعارضة)،إلى معزوفتها المكررة والمحفوظة، وحتى المشروخة، ولسوء الحظ أن القيادة السياسية الحاكمة للبلد متمادية في إطلاق بالونات خلط الأوراق، وإنهاك قوى التغير، وإرهاق الساسة، في البحث عن حقيقة نوايا السيد الرئيس في شأن المأمورية الثالثة، وشكل تمريرها، أو بدائلها، وطبيعة آليات ذلك .

وعلى كل حال فإن ذلك النقاش والصراخ الدائر اليوم في الساحة السياسية، في دوائر المولاة والمعارضة، كله لا أهمية فيه لمشروع التغير المرتجى وحصول التداول السلمي على السلطة، وخاصة في جو الوهم والرعب، بل والجنون الجماعي الذي تعبر عنه كل تلك المواقف المتشنجة والوقفات أو المسيرات المرتجلة، التائهة، صحيح أن كل الشعوب في محطات الفشل تتوفوه بكل أنواع الحماقات وخاصة في لحظات الأزمات، ورجال السياسة والدولة عندنا هم أكثر الناس حظا في استعمال قاموس الشتم ونعت المنافس بأقبح النعوت وأشنع الأوصاف، لاستفزازه، وجعل عمله ومواقفه تخرج عن دائرة الفعل والتدبير إلى دائرة التشنج وردة الفعل المساوية في القوة والاتجاه على خلاف القانون .

من المعلوم أن السياسة في الأصل وُجدت بمفهومها المبدئي لخير ورفاهية المجتمعات، وذلك بالعمل الدائم والجاد على إرساء السلام والمساواة بين البشر، وحلّ النزاعات والمشاكل الاجتماعية بالطرق السلمية.

فالعمل السياسي في شكله ومضمونه يتمحور بخاصة حول تطبيق هذه المبادئ عملياً بغية التوجّه بالناس نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلّط الفردي المطلق والأنانية الضيّقة.

أمّا في الواقع فالمبادئ السياسية لا تُطبّق بالطرق القويمة في حياتنا وفي بلدنا هذا المنكوب بنخبته وقادته وزعماء أحزابه ومؤسساته، وجيشه وقبيلته .

وما يستثنى من ذلك هو بعض الأفراد أو المجموعات التي لا يُعتّد بها بسبب قلّة أعدادها  الأمر الذي يستوجب منا العمل على إحياء السياسة الحقّة والجديرة بالممارسة الفعلية وضمن الضوابط القانونية الواضحة، خصوصاً لدى المسئولين في السلطة وخارجها على حدّ سواء، حتى نأمن شر التمزق والفرقة والشتات، ونتفادى ويلات الحروب الفئوية والعرقية والقبلية والطائفية، وكل المصائب والمآسي التي تسببها المظالم والاستبداد والفساد وتحكّم القوي بالضعيف، والفرد بالجماعة.

ويجب أن نوجد حالا فكريا ونظريا وواقعا عمليا يتغلّب فيه الطابع السياسي المرتكز على المنطق والعقلانية التي تحفظ كرامة الإنسان كمخلوق بشري له حقوق وعليه موجبات، لا تسقطها الموالاة ولا المعارضة.

ومن هذا المنطلق وعلى تلك الأسس يجب كذلك البحث عن حلّ يساهم بتنقية العمل السياسي من غالبية عيوبه لدى العاملين في الشؤون العامة داخل السلطة وخارجها وفي مختلف الأحزاب والمؤسسات.

ولعل ذلك يقتضي في المقام الأول تفكيك المنظومات السائدة ومعالجة ثلاثة محاور رئيسية، يتناول الأول منها: تحديد مفاهيم السياسة والعمل السياسي، السلطة، الجماعات الضاغطة والانحراف السياسي.

ثانيا: معالج مسألة واقع العمل السياسي ومشاكل تطبيق المبادئ السياسية في الحياة العامة والخاصة، مع تفادي ما يعقب ذلك من كل أخطار وأنواع المشاكل التي تعيق تقدّم الحياة إن لم تتسبّب بانهيارها.

ثالثا: العمل المحوري على وضع آلية محدّدة وشروط قابلة للتطبيق لإبعاد المعوّقات من مناهج وأفراد قدر الإمكان وبكل السّبل المتوفّرة وبشكل مُرضٍي ومقبول يعطي ثماره المرجوّة، وبأقل كلفة وأجمل ثمرة.

 

4. مارس 2018 - 8:02

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا