لقاء الأزهر بشنقيط إحياء للوسطية أو تحريف للسياسة في الدين؟ / د.محمد المختار دية الشنقيطي

 لقاء الأزهر بشقيط تحريف في الدين أو تجديد للوسطية وسرقة للسياسة بلا ضوابط ولا قيم حامية للدين{أف حكم الجاهلية يبفون}{أتواصوا به لهم قوم...}، شيخ أهل شنقيط الإمام بداه يقول" دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلا دين خزي الدنيا ونار الجحيم"، والسياسة هي حسن التدبير، وإحياء التدين تجديد في صور إخضاع السياسة للدين، وتلكم هي الوسطية في مفهوم السياسة والدين، وحاجة الناس لتحصينهم بالدين.

لاشك ولا ريب أن عالمنا اليوم يمر بمتغيرات عديدة، وتحديات عظيمة، فتواصل الشعوب والحضارات، والتطورات العلمية المذهلة  قلبت حياة الناس رأسًا على عقب وغيرت نمط حياتهم وطرق معاشهم ولغة تخاطبهم وطرق تحصيلهم العلمي ووسيلة اتصالاتهم، ووسائل عيشهم ونمط تفكيرهم .

ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولاها،قال تعالى:{ هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. ولا يصح الوقوف على ثوابت الماضي دون هضم الحاضر وتلك المتغيرات، والقدرة على التكيف معها سبيلا إلى الارتقاء بالحياة والإنسان نحو حياة أفضل.

الأمر الذي يجعل من ألازم والمفروض إعادة القراءة والنظر والحسابات في كل الفروع الفقهية، والتدقيق الحصيف والنظر البصير المنقى والمصحح في الأصول، وقواعد وضوابط  التشريعات الإسلامية وقوانينها وقواعدها الفقهية، وملاحظة طبيعة وخاصية المرونة والسعة والقدرة على التكيف مع كل جديد، وهي المميزات التي جعلت هذه الشريعة الإسلامية قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، ودخلت في معارك ونزال مع كل القيم والقوانين، في كل البلاد المفتوحة والحضارات الغازية، وخرجت من كل ذلك منتصرة، بل ورائدة.

لقد واجهت هذه الشريعة بقوانينها وقيمها كل أنماط التدين وأوجه التطور البشري فما ضاق ذرعها بجديد، ولا قعدت عن الوفاء بمطلب منشود بل كان عندها لكل مشكلة علاج، ولكل حادث حديث، فبقيت حية، نضرة، ونشيطة طوال أربعة عشر قرنًا من الزمن دخلت فيها مختلف البيئات وحكمت شتى الأجناس، والتقت بعدد من الحضارات ، وواجهت حوادث متسعة لا حصر لها ولا تكيف لنمطها ونوعها، فكانت الأستاذ القائد المنتصر، وحتى في ظل تغيب العقل وتعطيل الاجتهاد وتنميط التدين، وتحريف الدين، ومحاولة إحلال القيم والقوانين الوضعية محل القيم والقوانين الشرعية؟. 

ونحن اليوم وبلا شك مطالبون مطالبات شرعية، ومحتاجون حاجة ضرورية إلي اجتهادات جديدة وجادة في المسائل القديمة والجديدة وعلى حد سواء، وبما يتفق مع الحاجة وتغير الظروف الزمانية والمكانية وفي عملية لممارسة التجديد لمشروع والمطلوب احياءا للدين، وإحياء علوم الدين خطوة وعاها الفقهاء من قديم، وبدأها العالم والفقيه والمربي أبو حامد الغزالي في زمانه، وتابعه عليها عدد كبير من العلماء والمفكرين ، وما زالوا وحثي يوم الناس هذا.
وعملية التجديد والإحياء، الوارد الأمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها"، يجيب وينبغي أن تبدأ عملية التجديد، من كل هموم الناس وما يتعلق بحياتهم، وأولويات شئونهم، وخاصة في كل تعاملات دورات حياتهم السياسية والثقافية والاقتصادية، وذلك مثلا بترجمة الصاع والوسق، والدرهم، والدينار، والأوقية، ونحو ذلك من المقادير والوسائل والوسائط المرتبطة بالدورة الاقتصادية المستعملة في هذا العصر، وكذلك المفاهيم العلمية والثقافية والسياسية، حتى يتمكن الناس من تطبيق أحكام الدين في كل أوجه حياتهم المعاصرة.
العمل العلمي الجاد على إبراز خصائص الإسلام وقيمه، ومقارنة الشريعة بالقانون الوضعي حتى تظهر وتتجلي مزايا الشريعة وثراء الفقه الإسلامي فيها، فمهمة الفقهاء والعلماء والمجتهدين المجددين تنحصر في المقام الأول في الكشف عن الحكم الشرعي والحكم المقاصدية واستنباط الأحكام والحكم من صراحة النص أو من دلالته.
استحضار وحضور وإظهار أن العقل لا يعد مصدرا من مصادر الشرع ولا قاعدة من قواعد الفقه الإسلامي الثابتة، ومناهج واستنباطات الفقهاء، ليست أصلا ثابتا من أصول التشريع، لأن العقول تتفاوت في إدراكها لحقائق لأمور، كما تختلف مقاييس الخير والشر في نظرها، وهي كذلك ليست معصومة من الاندفاع وراء الشهوات، والأطماع والرغبات،وهذا ينطلق على كل مفردات التراث، والثابت يقينا من أمر الشريعة أن هناك ثوابت في الدين ونصوص وحيه وأحكامه لا تتغير، وأخري قابلة للتغير، إعمالا لعقول العلماء وانسجاما مع تغير الأعراف والمصالح ووفاء بحاجات الناس، والتجديد مطلوب، ليس بالمطلق في الاعتصام بالتراث شكلا ودعاية، وإنما من مظاهره وتجلياته في الممارسة والاجتهاد أنه إذا كان الحكم الفقهي مجافيا لمقتضي المصلحة والواقع وكانت المصلحة من جنس المصالح المعتبرة، أظهر المجتهد المجدد أوجه التوافق الحاصل أصلا بين مظاهر الخطاب ومقاصد الشارع .

وانطلاقا من ما سبق يخبرنا التاريخ وهو شاهد صدق وحق أن هذا الدين حي وفاعل متفاعل مع الحياة والحضارة، فحين كانت الحضارة الإسلامية تشهد في المشرق تراجعا عن العطاء والإبداع والريادة كانت في الغرب الإسلامي تشهد احياءا وتمددا في العطاء والإبداع، وفي عملية سعي جادة للريادة في جوانب عديدة من جوانب التمدن والحضارة: في اللغة، والفلسفة، والفكر، والأصول، والفقه، وأشكال العطاء العلمي المعرفي الحضاري، إلى أن تسلل إلى الصفوف والعقول والنفوس داء الوهن، وتصدر لقيادة الصفوف من لا يستحق القيادة من الفاشلين والمستبدين من زعماء العسكر الغوغائيين والغثائين، يساندهم في ذلك فقهاء جامدون، وأحيانا طامعون جاحدون، ينتظرون العطاء ويأتمرون بأمر السلطان، القائلون:{أئن لنا أجر إن كنا نحن الغالبين}.

فكانت النتيجة والمحصلة هي وكما يقول الفيلسوف والشاعر والمفكر المبدع المجدد محمد إقبال عليه رحمة الله:" إن المسلم القويّ الذي أنشأته الصحراء وأحكمته رياحها الهوجاء أضعفته رياح “العجم” فصار فيها كالناي نحولا ونواحا!! وإن الذي كان يذبح اللّيث كالشاة تهاب وطئ النملة رجلاه!! والذي كان تكبيره يذيب الأحجار انقلب وجلا من صغير الأطيار!! والذي هزأ عزمه بشم الجبال، غل يديه ورجليه بأوهام “الاكتئاب” والذي كان ضربه في رقاب الأعداء، صار يضرب صدره في اللأواء!! والذي نقشت قدمه على الأرض ثورة، كسرت رجلاه عكوفا في الخلوة!! والذي كان يمضي على الدهر حكمه، ويقف الملوك على بابه، رضي من السعي بالقنوع، ولذّ له الاستجداء والخشوع”.

هذا الحال الذي يصفه بدقة عجيبة محمد إقبال هو الذي كنا نلمسه في حياة أمتنا اليوم ولمسناه بحرقة وحسرة في لقاء الهزيمة والانكسار لقاء الأزهر المزيف الرسمي وشنقيط المموه الرسمي، ولقد صدق العلامة محمد رشيد رضا حين يذكر أن من أسباب ضعف الأمة ووهن حالها، وضياع حصونها، هو هيمنة الحكام على العلماء فقال- رحمه الله- أعلم أن من أسباب ذلك وعلله"أنه لا مفسدة أضر على الدين وأبعث على إضاعة الكتاب، ونبذه وراء الظهر، واشتراء ثمن قليل به من جعل أرزاق العلماء ورتبهم في أيدي الأمراء والحكام، فيجب أن يكون علماء الدين مستقلين تمام الاستقلال دون الحكام - لاسيما المستبدين منهم - وإنني لا أعقل معنى لجعل الرتب العلمية، ومعايش العلماء في أيدي السلاطين، والأمراء إلا جعل هذه السلاسل الذهبية أغلالا في أعناقهم يقودونهم بها إلى حيث شاءوا من غش العامة باسم الدين، وجعلها مستعبدة لهؤلاء المستبدين، ولو عقلت العامة لما وثقت بقول، ولا فتوى من عالم رسمي مطوق بتلك السلاسل".

وكان لفقهاء المالكية منهج دال وقول فصل صادق في ذلك حين قالوا" الخير كله في العلماء ما لم يخالطوا السلاطين فإذا خالطوا السلاطين ففروا منهم فراركم من الأسود"، ولدر ديري والدسوقي والحطاب وميارة الكبير والمحدثان القاضي عياض وابن عبد البر أقوال تفصيلية في ذلك نريدها في مقال لاحق.

وما تجاهله أو غيبه قادة الأزهر وشنقيط عن وعيهم وتفكيرهم وما قدموه للجمهور هو شدة الحاجة إلى فقه جديد ووعي جديد وتجديد في التدين والممارسة والفهم والإدراك لوظائف العلماء القادة المصلحين المجددين الموصوفين في قوله صلى الله عليه وسلم"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"،المنهج والعمل العاصم من التطرف والباسط للوسطية والناشر للاعتدال، والمجنب لأنماط التدين المعلول المغشوش: الدين الفني، والدين الاجتماعي، ودين الملك، أنماط التدين التي حلت محل الدين الرباني المأمورون بالاستمساك به، لأنه الحصن الجامع المانع من الطغيان والغلو التطرف، والمحتاجون لإحيائه ولبعثه وتحصين المجتمع به.

ونقول للقادة المجتمعين ظاهرا والمتفرقين ممارسة وفكرا ما قاله الفيلسوف محمد إقبال الذي كان يرى أن التجديد في الدين قد أصبح أضرورة على الرغم من ما يحتويه الفكر الإسلامي من سعة وعمق وترسُخ في العالم الإسلامي، فينبغي على هذا العالم "أن يُقدم في شجاعة على إتمام التجديد الذي ينتظره، على أن لهذا التجديد ناحية أعظم شأنا من مجرد الملائمة مع أوضاع الحياة العصرية وأحوالها"، وسلوك منهج التجديد المتدين في ممارسات المسلمين الحياتية بالضوابط الموصوفة نتائجه في النهضة اليوم مضمونة، كما يظهر ذلك ويتجلى عمليا في تركيا المعاصرة والتي وصفها كاتب فرنسي بأنها أصبحت عنصر الاستقرار في العالم الإسلامي، وبين أن تجربتها الاقتصادية يجب أن تفتح أعيننا على ما ينطوي عليه الإسلام من معنى، وعلى مصيره، والفيلسوف إقبال يقول"إن الإنسانية تحتاج اليوم إلى ثلاثة أمور: تأويل الكون تأويلا روحيا، وتحرير روح الفرد ووضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحي ... يتواصل.

 

24. مارس 2018 - 10:28

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا