لنؤجل مكافحة مخلفات الرق! / أحمد ولد محمدو

altكنت من بين الحاضرين لمحاكمة الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ورفاقه، ورغم دخولي القاعة وأنا متحفظ ومشفق، إلا ان الاستجواب وطلبات النيابة قلبوا إحساسي إلى حيرة ورعب.

كان تحفظى منصبا على التهم الموجه إلي المجموعة، والتي سبق ان أعلن عنها في وسائل الإعلام المستقلة والتي تمحورت حول التجمهر، والاعتداء على الشرطة، والتسبب في الإيذاء البدني، وتشكيل جمعية غير مرخصة.

أما إشفاقي فقد كان على القضاة الذين طالما وصموا بحق أو بغير حق بأنهم أداة طيعة في يد السلطة التنفيذية كلما أرادت معاقبة من يخالفها الرأي.

بعد استماعي للمرافعات وطلبات النيابة تحول التحفظ و الإشفاق إلى حيرة وبين هذا وذاك اجتاحتني لحظات رعب، جعلتني أجزم ان مستقبل هذا البلد ما لم يتم تداركه على كف عفريت.

لقد كانت هبة المحامين، خصوصا منهم المتعهدين في الأصل بالدفاع عن نشطاء حقوق الانسان، وجهودهم الجبارة في محاولة كشف ما اعترى الملف من هنات جهودا تذكر فتشكر، خففت من عسر فهم الأحكام التي صدرت في حق المتهمين، وبصيص أمل، في أن جزء من الطبقة المثقفة قادر على تجاوز الأزمة الوهمية التي ينفخ فيها بعض المستفيدين من استمرارها.

لقد اكتشفت خلال جلسة المحاكمة أن أبناء بلدنا تباعد بينهم هوة سحيقة، فعندما يحتاج مواطن لمن يترجم بينه ومن يفترض أنه قاضيه الطبيعي فإن ذلك كارثة، وان يخص قاض متهم من بين رفاقه بالسؤال عن جنسيته، رغم انه قد اطلع على ملفه سابقا، كما لم يسأل أي ممن سبقوه ولا من جاء بعده عن جنسيته فتلك لعمري كارثة أكبر.

انه لمن المحبط جدا أن يوجهه القاضي للمهندس "بالا توري" سؤالا حول ما إذا كانت جنسيته موريتانية.

لم يكن بالا توري يختلف عن من سبقوه في شيء سوى ان القدر اختار له ان تكون لغته الأم "السوننكية" والى جانبها كان يتقن "البولارية"، وثقافته باللغة الفرنسية، فهل هذه الانتماءات في موريتانيا تبيح لأي كان التشكيك في جنسيته الموريتانية ولو عن حسن نية؟

لقد أمسكت سابقا عن الخوض في قضية "بيرام" ورفاقه، لأني اخترت صف من يفضل عدم الخوض في ملف منشور أمام القضاء، رغم قناعتي الخاصة بأنه اخذ سبيلا غير الذي كان له أن يأخذه، حيث أنني عايشت كصحفي ومراقب، العديد من قضايا الاسترقاق التي أثارتها مبادرة انبعاث التيار الانعتاقي، وبعض تلك التي حركتها منظمة نجدة العبيد، وكنت خلالها شاهدا على أن صاحب الحق قد لا يكون بالغ الحجة حسب القضاء الموريتاني، فيقتطع لغريمه قطعة من النار التي هي حسب القانون الوضعي حفظ الدعوى لأسباب يصعب حصرها، لكن حسب فهمي غالبا ما يكون مضمونها لم يحن بعد الوقت المناسب لفتح ملفات الرق في موريتانيا.

ان الكأس توشك أن تفيض، فلنتداركها قبل فوات الأوان، رغم التعتيم ومحاولة ذر الرماد في العيون، فان الأيام تؤكد يوما بعد يوم ان الرق في موريتانيا لم يعد قابلا للتستر عليه، فلتتسع صدورنا لمعالجة الملف بروية، ولندع معالجة الأعراض إلى حين، ولنتجه مباشرة للداء، فإن القول بالآثار والمخلفات ونفي وجود الرق في موريتانيا بات مجال تندر كل ذي فهم سليم.

صحيح إننا قد لا نشاهد الرق التقليدي بالشكل الذي قد يتصور البعض خصوصا بالنسبة للغربيين، لكن الجيوب القليلة المتناثرة هنا وهناك، تكفى أن نقيم لها الدنيا ولا نقعدها، ولنضرب بيد من حديد على من يقترف مثل هذا الجرم، وعندما نستأصل هذه الظاهرة من جذورها، فلنتوجه للمخلفات والآثار التي يمكن أن تنمحى لوحدها مع نهضة تنموية شاملة وعادلة، وقبل ذلك لنكافح مختلف أشكال الاستعباد، بغض النظر عن لبوسها سواء كان تشغيل قصر أو استغلال.

إن الجهود المبذولة لتشويه من يكافح الرق وتأويل وتحريف أقوالهم واجتزائها من سياقها العام، أسلوب عفا عليه الزمن، ولم يمنع مسعود ولد بلخير من أن يتبوء المنصب الذي يشغله الآن .

لقد آن الآوان أن نمنح الأرقاء والأرقاء السابقين، حق التمييز الايجابي ليس فقط على مستوى تنمية مناطقهم، بل على مستوى التوظيف حتى نتيح لهم إمكانية اللحاق ببقية مكونات شعبنا، فالفقر والجهل الذي تعانيه الغالبية، لهؤلاء نصيب الأسد منه، فلنساعدهم للخروج من هذه الحلقة، ولنفتح عقولنا وقلوبنا لإمكانية أن يشغل هؤلاء غالبية الوظائف السامية دون حدود تماما كما يشغلها الآن غيرهم دون أن يعترضوا. وقبل هذا وذاك يجب ان نكف أيدينا وألسنتنا عن نشطاء حقوق الإنسان، ولنتلمس لهم أحسن المخارج، بعد أن قعدنا عن الوقوف معهم في مواجهة محاربة الرق خصوصا في العقول حيث يعشش وينتج هكذا أحكام.

10. يناير 2011 - 9:16

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا