العرب ...صناع الحياة / أحمد فال ولد الدين

altلا يتمارى اثنان في ضعف العُرب أيام الناس هذه. بل يتبارى كتاب الصحف السيارة ومعلقو الفضائيات في النيل منهم ونعيهم باعتبارهم أمة أدارت ظهرها للتاريخ وتنكبت سبل المجد وصناعة التاريخ منذ عدة قرون. غير أن من خمّر الفكرةَ وعتّقها يُلفي في تلك الصورة غبشا وشيئا من الحيف والتعجل. لقد وجدتني مندهشا أمام حقائق تشي بأن الإنسان العربي قويٌ حتى في ضعفه. 

فإذا كان الإنسان العربي بائسا وضعيفا ولا أمل فيه فلماذا لا تتفق القوى العظمى على شيء اتفاقها على الاهتمام به والحرص على الوصول إلى عقله والتأثير في وجدانه؟ 
فهذه الولايات المتحدة تنفق مئات ملايين الدولارات لتسيير قناة موجهة للعالم العربي لا تزيد نسبة مشاهدتها بين العرب عن خمس بالمائة ( وصلت نفقاتها حتى العام الماضي 659 مليون دولار حسب تقرير للكونغرس الأميركي).
ولماذا تحرص الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا على أن تكون لكل منها قناة تبث من أراضيها باللغة العربية موجهة لهذا الإنسان العربي الذي نحتقره؟
ولماذا يسعى معظم الباحثين الذين يتوسمون في أنفسهم الذكاء للتخصص في قضايا ما يسمى "الشرق الأوسط" ( لا أحب هذه العبارة التي سكها ضابط البحرية الأمريكية ألفرد ماهان عام 1902 ليحدد بها أماكن نفوذ الحضارة الإسلامية دون اللجوء لمصطلح مستفز مثل "بلاد المسلمين").
وإذا كان العربي متخلفا وبائسا وراضيا بالهوان فلماذا ينفق هؤلاء ملياراتهم في عصر الأزمات الاقتصادية ويجيشون قواتهم العسكرية والإعلامية والنفسية والخيرية والدبلوماسية للتأثير فيه أكثر من غيره؟
الحقيقة أن القوم يعرفون أن الإنسان العربي إنسان مركب وطموح ورائد حضارة وصاحب شخصية مستقلة. فالإنسان العربي يمثل حارس حضارة خطيرة مثلت الحضارة المنافسة للغرب طيلة قرون. وحتى أنه رغم ضعف تلك الحضارة الآن فهي تمثل منافسا أخلاقيا على الأقل للحضارة الغربية.
والعرب والمسلمون هم الوحيدون في هذا الكون الذين يرفضون أن يُنمطوا وتُختار لهم ملابس وأذواق فصلت لغيرهم. يريدون أن يتصرفوا كأشخاص بالغين: يأخذون ما يرضون عنه ويتركون ما لا يريدون.
ثم إن الشخصية العربية الإسلامية شخصية عصية على التطويع والاحتلال والاستسلام، وهذا أكثر ما يزعج الأمركيين الذين ظنوا قبل غزو العراق أن العرب سيكونون مثل اليابان ويرفعون الراية البيضاء إلى الأبد بعد أن يروا عاصمة الخلافة تسقط. لكن أيا من ذلك لم يحصل.
إن ساسة الغرب يعرفون أن كل احتقارنا لذواتنا ناتج عن طموحنا الكبير الذي لا يقهر، لا عن نقص فينا. فالإنسان في الكامرون أو بورما مثلا لا يشعر أن شيئا ينقصه وغير غاضب على نفسه لأنه ليس أقوى من أميركا. 
وحدهم العرب والمسلمون هم من يتميزون غيظا لأنهم ليسوا الأقوى في هذا العالم لأنهم يرون أنفسهم وُرّاثَ حضارة وأصحاب عمران عليهم أن يستعيدوه وأن يكونوا دائما في مقدمة ركب الحضارة، شعارهم قول شاعرهم القديم:
ونحن أناس لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر!
وما يفوته كثير من العرب أثناء جلدهم لذواتهم أن ما يعيشونه اليوم إن هو إلا حلقة من حلقات الضعف تمر بالأمم في تاريخها الطويل لكنها لا تلبث أن تؤوب إلى الجادة. وذاك سر الاهتمام الخطير للقوى الكبرى بهذه المنطقة.
كفانا جلدا للذات!
نعم، لا بأس بتشخيص الداء. لكن الإيغال في سب العرب والمسلمين والمبالغة في الحديث عن تقهقرهم قد يسهم في إطفاء جذوة الطموح التي تجعلهم يضيقون ذرعا بحالهم مما قد ينتهي بهم – لا قدر الله- إلى القنوع والاستقالة. 
خبروني بربكم! لماذا يقف أكبر حلف عسكري في التاريخ البشري ( الناتو) في جبال أفغناستان ليطارد حفنة من كهول البشتون وشباب العرب؟ ولماذا يستثني الغرب في أدبيات حرياته العرب ويسوغ التحالف مع مستبديهم؟ ولماذا يزرع إسرائيل ويقف إلى جانبها في السراء والضراء؟ 
يذكر أحد الكتاب الأفارقة أن هناك قوة نفسية كامنة لدى بعض الشعوب مستمدة من تاريخ تفوقها. فأنت عندما تدخل على مجموعة من الأوربيين وتقدم نفسك مثلا بأن اسمك "عبد الله" أو "أحمد" فإن اسمك تلقائيا يستصحب معه قوة وحضورا خاصيْن تكاد تلمس أثرهما في الأوجه بعد نطقك له. يحدث ذلك حتى ولو كنت من أضعف دويلة في العالم.
إنك تمثل في أخيلتهم القوي المنافس والمشاكس والطموح (سواء أحبوك أم كرهوك) وتمثل في خيالهم الإنسان الذي احتل أرضهم وسبى نساءهم تاريخيا ويحاول اليوم أن يقول "لا" حيث يقول الكل "نعم". إن اسمك بصفة تلقائية يحمل خلايا توسعة قابلة للانفجار في ذهن أي أوروبي.
سيظل العرب في مقدمة الأمم التي تتربع في قمرة قيادة التاريخ...حتى في ضعفهم.

25. نوفمبر 2010 - 11:22

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا