لماذا خفضت موريتانيا إستثماراتها في أذونات وسندات الخزينة الأمريكية ؟! / أمم ولد إنفع

السؤال الذي يطرحه الجميع لماذا خفضت موريتانيا إستثماراتها في أذونات وسندات الخزينة الأمريكية من 1،3 مليار دولار في نفمبر 2017 إلى 796 مليون دولار في مارس الماضي؟

وللإجابة على هذ السؤال لابد من أن نعرف أولا ماهي أذونات وسندات الخزينة الأمريكية ؟ وبشكل مختصر هي أدوات دين تقدم عوائد ويختلف تاريخ إستحقاقها 

من أشهر إلى سنتين ، خمس سنوات ، عشر سنوات و ثلاثين سنة أحيانا وتقوم الدول بشراء أدوات الدين الأمريكية  حتى تحقق عوائد جيدة  وآمنة فضلا عن أنها تساهم في توضيد العلاقات الدبلوماسية مع القوة الإقتصادية والسياسية الأولى في العالم.

وتعتبر موريتانيا مثل أي دولة من دول العالم تشتري وتبيع تلك الأدوات حسب ماتمليه الظروف السياسية و الإجتماعية والإقتصادية العامة للبلد ، و عادة ما تقابل الحكومة الأمريكية أي عمليات تخفيض لإسثمارات الدول الأخرى في أدوات دينها بمزيد من الحذر وعدم الرضى  وكأنها تريد دائما من تلك الدول أن تحافط أو تزيد من إستثماراتها تلك حتى لاتجد نفسها أمام صعوبات تمولية في ميزانيتها وهو ماقد يتسبب في إختلال إقتصادية مستقبلا.

تشير التوقعات اليوم إلى إحتمالية رفع الفائدة في أمريكا 8  مرات في العامين 2018 و 2019 على التوالي ماذا يعني ذالك؟

الأمر لايحتاج إلى خلفية إقتصادية وسنحاول تبسيط الأمر إن شاء الله.

من المعروف أن الإقتصاد الأمريكي دخل أزمة مالية طاحنة سنة 2008 حيث تهاوت البورصات وأفلست بنوك وارتفعت معدلات البطالة ومن اجل مواجهة هذه الوضعية الإستثنائية  إعتمد الفيدرالي الأمريكي ( البنك المركزي)  سياسات تحفيزية للإقتصاد ومن بين هذه السيات تخفيض الفوائد على القروض لتسهيل عمليات إقراض المؤسسات والأشخاص حتى تعود عجلة الإقتصاد للدوران من جديد فارتفعت نتيجة لذالك  مستويات السيولة الدولارية في الأسواق حتى أصبحت تلك السنوات تسمى بسنوات الدولار الرخيص ،  ومن المعلوم أن الفيدرالي الأمريكي عندما يخفض الفوائد فإن الهيئات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين يخفضون الفوائد أيضا وهو مافتح شهية الدول النامية خلال سنوات الأزمة المالية  على زيادة عمليات الإقتراض مادامت الفوائد منخفضة  وهوما ماتسبب في ارتفاع المديونية لدى تلك الدول لتصل في بلد مثل موريتانيا  إلى مايقارب %100 من الناتج المحلي الإجمالي أي أن ديون موريتانيا أصبحت توازي حجم إقتصادها.

بعد سنوات طويلة من الفوائد المنخفضة في الإقتصاد الأمريكي بدأت النتائج تتأتى من خلال تحسن معدلات النمو والإستهلاك ووصل الإقتصاد إلى نقطة التشغيل التام أي أنه لايوجد أمريكي  اليوم عاطل عن العمل بعد ما وصل معدل البطالة إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية ، وبعد تلك السنوات الطويلة من سياسات الفوائد  المنخفضة لابد من سحب تلك السيولة من مفاصل الإقتصاد وذالك من خلال رفع الفائدة والتخلي عن سياسة تخفيضهاحتى تبقى المؤشرات الإقتصادية في المستويات المستهدفة.

عندما يعلن الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) عن رفع الفائدة فإن جزء كبير من السيولة تخرج من جميع أنحاء العالم وتذهب إلى البنوك الأمريكية فتبدأ الشركات والقطاع العائلي أيضا في أمريكا بإيداع أموالهم لدى البنوك  مادام الجميع يعمل والفوائد التي تقدمها البنوك على الودائع قد إرتفعت من %1،5 إلى %2 كما حدث اليوم وأنا أحضر هذ المقال.

ونتيجة لذالك ستبدأ كميات كبيرة من الدولار بالخروج من دول العالم لتذهب إلى أمريكا حيث أن الفوائد على الودائع ارتفعت وهو مايعني أن الإقتصاد الأمريكي أصبح ينافس الإقتصادات الأخرى  في جذب رؤوس الأموال حيث أصبح المستثمر يفضل أن يودع  رأس ماله في بنوك أمريكية على أن يستثمر في دولة نامية مثلا مادامت فوائد البنوك الأمريكية قد ارتفعت وودائعها أصبحت آمنة بعد أن تجاوز الإقتصاد دورة الركود لديه.

بما أن الوضع تحسن في امريكا فإن الدولار سيرتفع  كنتيجة مباشرة لذالك التحسن  و ستتقلص الكميات المتداولة منه في مفاصل الإقتصادين الأمريكي والعالمي نتيجة لرفع الفائدة  أي أن معروض الدولار سينخفض  وعليه سترتفع أيضا  الفوائد لدى الهيئات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدولين وكأن تلك الهيئات أصبحت لاتريد
أن تفرط بمالديها من دولارات إلا إذاكانت الفوائد التي ستتحصل عليها أعلى بالمقارنة مع السنوات الماضية بما أن الدولار لم يعد رخيص كما كان عليه الحال في السنوات الماضية أي أن الدول النامية ستدفع فوائد أكبر لأن سنوات الإقتراض الرخيص إنتهت بمجرد تعافي الإقتصاد الأمريكي من تلك الأزمة.

لو أخذنا في عين الإعتبار إرتفاع المديونية أصلا و وصول الضرائب إلى مستويات قياسية ، وحالة عدم اليقين التي تمر بها أسعار خامات الحديد و وإغلاق بئر شنقيط و ارتفاع تكلفة الإقتراض ، و وموجة الجفاف التي يمر بها البلد لتوصلنا إلى أن الحكومة الموريتانية ستصبح مضطرة إلى تسييل جزء من أصولها الأجنبية حتى تستطيع تعبئة المزيد من الموارد  لمواجهة تلك الضغوط الإقتصادية المجتمعة وهو ما قد يفسر إنخفاض تلك الإستثمارات من 1،3 مليار دولار في نفمبر 2017 إلى مايقارب 796 مليون دولار في مارس الماضي.     

 

أمم ولد إنفع مدون إقتصادي

16. يونيو 2018 - 20:46

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا