زيارة إيمانويل ماكرون والقمة: السياسة مقابل الديمقراطية / بون ولد باهي

يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. يصدق ذلك على القادة والزعماء الغربيين، عندما يتحدثون عن أهمية الديمقراطية بالنسبة لشعوبهم، ويغضون الطرف عن الشعوب الأخرى. إذن الديمقراطية ليست كونية فلهم ديمقراطيتهم ولنا ديمقراطيتنا. لكن المؤسف عندما تؤكل لحومنا نحن شعوب العالم الثالث الفقيرة بأننا متخلفون، إرهابيون، تجار مخدرات، ونهدد العالم الآمن بالهجرة غير الشرعية من لم تتخطفه يد قوارب الموت منا في محيطاتهم.

هذا شيء محزن. عندما لا يقدر سادة العالم الأول أن قوتهم يستمدونها من شعوبهم ومؤسساتهم، وأن ضعفنا وانحرافنا من قادتنا الذين يأتون إلى السلطة يمتطون دباباتهم ثم لا يبرحونها ولا يعيروا اهتماما لا للقانون ولا للمؤسسات. أو يتجاهلون أن شعوبهم تنتخبهم وتوصلهم إلى القمة وهي قادرة على محاسبتهم، بينما شعوبنا ينتخبها حكامنا فيقربون من يشاءوا ويدفعون إلى السجون أو الفقر أو الموت أو إليهم في قوارب الموت من يشاءوا. والمفارقة عندما يتفق سادة العالم الأول والثالث على محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات والهجرة.
أليس ما انتهى إليه الفكر الغربي أن الديمقراطية تجلب السلام؟ ألم تؤكد ذلك تجربة دولكم الآمنة، المتطورة اقتصاديا وصناعيا، والتي لا يهددها شيء آخر غير بلداننا غير المستقرة التي تصدر الإرهاب، ولا تصدر غيره؟.
تستضيف الآن موريتانيا القمة الإفريقية (2018)، وسبق لها استضافة القمة العربية (2016)، ولها مساهمة هامة في استقرار المنطقة من خلال القيام بالوساطة في العديد من النزاعات الإفريقية (مالي وغامبيا مثلا)، وأدوار بارزة على المستوى الإقليمي والدولي بشأن المساهمة في عمليات حفظ السلام الأممية، ومحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للدول، ويعود لها الفضل في إنشاء بعض المنظمات الاقتصادية، وإنشاء قوة عسكرية مشتركة من مجموعة دول الساحل المكونة من: موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر، وتشاد، التي يوجد مقرها بالعاصمة نواكشوط. لكن هل يغني كل ذلك عن الديمقراطية؟.
إن انحراف شعوب العالم الثالث لا يعادله سوى ضعف إيمان القوى الغربية من الترويج للديمقراطية إلى الكفر بالديمقراطية، من خلال صفقات السياسة مقابل الديمقراطية التي تبرم في الظلام بمنأى عن خيارات الشعوب.
إن الأزمة السياسية في موريتانيا تجعلها غير مؤهلة لشيء قبل وجود حل توافقي لها. وهي الأزمة التي تسبب فيها النظام الحالي الراعي لكل ما هو خارجي، والمتجاهل لكل ما هو داخلي. وهو نظام في الأصل ناتج عن انقلاب عسكري (3 أغسطس 2008)، أجهض أول تجربة ديمقراطية في البلاد بعد تنازل العسكريين عن السلطة (2007)، ليرشح البلاد لعودة الانقلابات العسكرية، وعدم الاستقرار السياسي الذي جعل موريتانيا تحطم رقما قياسيا في الانقلابات العسكرية نتيجة الصراع على السلطة. ذلك أن عجز النظام عن تسوية الأزمة منذ انفجارها عام 2008 حتى الآن لا يبشر بخير.
إن السلام الذي تجلبه الديمقراطية لا يمكن أن يقابل تسويات السياسة مقابل الديمقراطية المؤقتة، ولن يحقق السلام لا لإفريقيا ولا لأوروبا ولا للغرب إلا أنظمة عادلة ديمقراطية، وليس أنظمة لا تنتج غير مهربي المخدرات والمجرمين والبؤساء.
إن تجاهل العالم الديمقراطي للحراك الموريتاني الذي يدخل الآن عامه العاشر، ضد حكم ديكتاتوري عسكري فردي شعبوي متخلف إهانة للديمقراطية النموذج الغربي الذي بشروا بأنه "نهاية التاريخ". بل الأسوأ هو نظام غريب على جسم شعبه، مثل النظام الموريتاني، وغريب على النظام الديمقراطي، حيث لا يوجد قضاء، ولا قانون، ولا منتخبون، ولا أحزاب ولا حريات ولا مجتمع مدني ولا حتى مثقفون لأن كل ذلك أفرغ من أي محتوى. إن المدهش في الأمر وجود أحد ممثلي الشعب يقبع في السجون، وسجناء رأي، في حين يوجد انقلابيون ومفسدون ولصوص في الوظائف والمناصب السامية في البلاد. وإذا كانت الأنظمة الفاسدة غالبا ما تنجح في ضرب المعارضة بالمعارضة في الداخل مثل ما هو الواقع في موريتانيا، فهل يغيب على قادة العالم الأول أن ما تقومه به تلك الأنظمة ليس إلا "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء". الآية. وكيف بنظام يحارب الإرهاب في مالي وشمال إفريقيا ويوزع جنوده في الخارج، وهو يصنع الإرهاب في الداخل عبر آلاف حملة الشهادات العاطلين عن العمل، وتجويع شعب بأكمله، ومطاردة المعارضين له في الداخل والخارج والتنكيل بهم. إن الأمم التي عاشت مساوئ الأنظمة الفردية لا تغيب عنها هذه الملاحظات، وهي تدرك فوق ذلك مخاطر انهيار الأنظمة الديكتاتورية التي لا تتسبب في زعزعة واستقرار الشعوب، بل العالم وأمنه وسلامه. إن أهم منابع التهديد الإرهابي في شمال إفريقيا ترجع إلى انهيار نظام معمر القذافي الذي تسبب في انهيار الدولة الليبية. وأهم منابع التهديدات الإرهابية الحالية في الشرق الأوسط تعود إلى نظام بشار الأسد الذي شرد شعبه ليتمسك بكرسي الرئاسة.
ولكم أن تختاروا حلولا بعيدة المدى بموافقة الشعوب أو حلولا مؤقتة تقدمها أنظمة محكوم عليها بالزوال. إنكم تعلمون علم اليقين أن من يقوم بانقلاب عسكري ويرشح نفسه لا يقوم به إلا من أجل الاستيلاء على السلطة. فمرحبا بكم نبادلكم السياسة مقابل الديمقراطية.

 

29. يونيو 2018 - 11:49

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا