سجن حنفي ...نهاية الحلم / محمد سالم ولد محمدو

altللمتشائمين في هذا البلد الحق أن يحتفلوا دائما بصدق توقعاتهم،ليست السوداوية في عيونهم أو مناظيرهم بقدر ماهي سور يلف الأفق الذي نعيشه. المتشائمون الكرام هم النخبة الواعية في البلد وهو الذين لايبنون عمارات الأحلام الوردية على صفحات الماء الآسن الذي يجري تحت المدينة.

لهم الحق فصانعوا الشؤم والتشاؤم متوفرون للأسف في كل مخازن المخزن وبكميات تجارية غير قابلة للنفاد في المدى المتوسط. 
صنعنا للأسف أحلاما كبيرة خلال الساعات الأولى من يوم الخميس المنصرم،وأمعنا في التفاؤل،كنا نعتقد – بعض معاشر الصحفيين – أن يوم الخميس سيكلل بإطلاق سراح الزميل حنفي ولد دهاه،تحت أي لافتة قضائية براءة،أو حكم مع وقف التنفيذ،أو أشياء من هذا القبيل تعيد أبا نجاح إلى ابنته وأسرته الصغيرة وزملائه في حقل الألغام الموسوم بالصحافة. 
ظلت على هذا الأمل أغلب ساعات يوم الخميس،وأنقل أملي هذا إلى كل متصل سائل عن جديد الأخبار وتوقعات اليوم القادم والغد،- وما أكثر السائلين عن الأخبار في بلد- لأتأكد بعد ساعات أنه أمل في غير محله ورجاء كان أقرب إلى التمني ويا بعد ما بينهما. 
الحكم على الزميل حنفي ولد الدهاه بالسجن سنتين نافذتين،كان سهما نافذا أصاب آمال الإعلاميين في هذا البلد في مقتل وكسر قارورة الطيب التي كانت يتعطرون بها انتظارا ليوم خروجه من السجن ليحتفلوا بانتصار القلم على الدبابة. 
كان الحكم مفاجئا للغاية،وكاسرا لصمت الرجاء بمعاول الدهشة والاستياء الشديد،ربما كان البسطاء من أمثالي يعتقدون أن مؤشرات كثيرة يمكن أن تدفع باتجاه الإفراج عن الزميل المعتقل الذي قضي سبعة أهله في سجنه العتيد،قبل أن تعاد محاكمته من جديد. 
كنا – معاشر بسطاء الصحافة – نعتقد أن ضجيج تضامننا ومناشداتنا المتتالية للرئيس ومن على شاكلته سيؤدي إلى نتائج إيجابية،كنا نعتقد أن لافتاتنا الكبيرة التي رفعناها تضامنا مع الزميل قد تلوح من بعيد لحكام البلد فيستجيبون للمناشدين.
كنا نرى أن الدعوة الكريمة التي وجهها العلامة اباه ولد عبد الله – ’’الرجل الذي يفهم كلام بني ديمان ’’إلى الزميل حنفي ولد الدهاه ليوقف إضرابه عن الطعام ستجد صدى آخر عند الطرف الثاني فيستجيب هو الآخر لدعوة العلامة،ويوقفوا إضرابهم عن الاستماع إلى مناشدات العشرات من أبناء البلد ويفرجوا عن الزميل.
كان تلك الدعوة،بالمضمون وساطة،وشفاعة،...لكن تأكد أيضا أن ’’كلام بني ديمان لايزال يحتاج إلى اثنين متحدث وسامع’’ على حد تعبير المرحوم محمد عبد الله ولد الحسن. 
كنا نعتقد أن الحديث المتتالي عن وساطة تقوم بها إحدى كريمات الشيخ ابراهيم انياص للإفراج عن الزميل حنفي ستحظى باحترام وتقبل من السلطات الحاكمة فتفرج عن حنفي،أو تدفع الذين دفعوه إلى السجن إلى سحب شكاواهم واغتنام فضيلة المسامحة إن كان ذم جرم أصلا. 
كنا نتوقع أن النداء التاريخاني الذي أصدرته الأغلبية بعد’’ملتقى الحكامة’’ بإطلاق سراح الزميل حنفي ستجد آذانا صاغية لدى الحاكمين،لا أن تقابل بمزيد من السجن. 
كنا نتوقع أن تكون المناشدات المتتالية للصحافة ونقيبهم ورئيس رابطتهم والمنظمات الدولية والوطنية ستجد صدى طيبا لدى الحاكمين فيفرجون عن حنفي 
حتى دموع الطفلة نجاح التي اخترقت بسرعة قلب الأستاذ محمد غلام فتجاوب معها بدمع سخين،لم تنجح في كسر بوابة هذا السجن العتيد الذي لايريدون لحنفي أن يغادره 
لم يعد سجن حنفي ..سجنا انفراديا ولا سجن فرد،ولكنه اتسع الآن ليمتد على مدى سنتين نافذتين من الاشمئزاز والاستياء على مصير الصحافة،ومصير القلم الذي يراد له أن يظل قصيرا للغاية،وأن يظل رصاصيا يمحو كل حين ما يكتب،وإلا فسيتعرض للتشذيب العنيف كل دقيقة. 
سجن حنفي ولد دهاه سجن كبير يضم للأسف المئات من الصحفيين والحقوقيين الذين سيجدون أنفسهم منذ اليوم في حقل من الألغام الحقوقية والقانونية،يجب أن تتحرك فيها بمنطق .." احترام ..حضرات ..إلى اليمين در ..إلى الإمام سر" 
مخطئون جدا أولئك الذين يظنون أن إمساكهم بلحظة باهتة عديمة الجدوى من التاريخ ستجعل التاريخ ماضيا ومستقبلا رهن أصابعهم على طول المدى،ليس الأمر أكثر من لحظات شاردة،وفلتات من الزمان وتظل السنة والسنتان من عمر الرجال أياما قصيرة،لكنه من عمر الألم قرون من الزمن الرديئ. 
أما أنت أيها الزميل السجين .. فاصبر على ألمك،سواء أًصروا على نفاذ الحكم ضدك،أو تداركوه بإيقاف جموحه،كما يوقفون حريتك،اصبر ...واتخذ من سجنك وقلمك مرقاة للصعود. واقبض بيد الصبر الجميل على ومضات النور ودراهم المتنبي عندما تسترق النظر إلى زنزانتك من بوابة السجن العتيد. 
تبسم لليل البهيم حين تغشاك أرديته السود،واقرأ على صفحاته السوداء إذا ما طال 
كلما أمعن الدجى وتحالك
شمت في غوره الرهيب جلالك!
وتراءت لعين قلبي برايا
من جمال آنست فيها جمالك!
وتراءى لمسمع العقل همس
من شفاه النجوم يتلو الثنا لك
واعتراني تولُّه وخشوع 
واحتواني الشعور: أني حيالك
ما تمالكت أن يخر كياني
ساجدًا عابدًا، ومن يتمالك 
خذ لك من المصحف رفيقا ..ونعم الرفيق ..وحسبك الله وهو نعم الوكيل.

5. فبراير 2010 - 18:43

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا