انواگشوط..عاصمة إفريقيا / عثمان جدو

تتجه الأنظار هذه الأيام صوب العاصمة انواگشوط، عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ عاصمة إفريقيا.

إن احتضان العاصمة انواگشوط للقمة الإفريقية (31) لم يأت اعتباطا و لا هو بالمتولد من محض الصدف، فكثيرة هي التغيرات و التحولات الإيجابية التي جعلت من العاصمة انواگشوط قبلة للأفارقة و ساحة فسيحة و مريحة للتلاقي و التشاور والنقاش و التحاور، ثم التفاهم و الاتفاق-إن شاء الله- ؛

لقد شهدت العاصمة انواگشوط تغيرات مشهودة على مستويات عدة غيرت النظرة النمطية و الحكم المسبق على الجمهورية الإسلامية الموريتانية و التصنيف الدوني و الترتيب المؤخر في المحافل الدولية -تنظيما واحتضانا على الأقل-

إن ما حققته بلادنا من تطور على المستوى الأمني الداخلي و الخارجي بالسيطرة على حدودها و شل حركة الجريمة العابرة للحدود و ضرب الجماعات الإرهابية في نقاط مفصلية، جعل من *الجيش الموريتاني* شريكا عالميا فعالا، ورقما هاما في المعادلة الأمنية لدول الساحل و الصحراء و المنطقة المحيطة بالبلاد .. لقد تم و ضع حد لعصابات الاتجار بالمخدرات و إحكام القبضة عليها بعد التحركات المكثفة للجيش الوطني في شمال البلاد وإعلان منطقة تغلغل تللك الجماعات و العصابات منطقة عسكرية محظورة؛ مما أدى إلى إحكام السيطرة عليها وتطهيرها من بارونات المخدرات و أذيالهم وكل حلقات الاتصال الناظمة لحبل الجريمة العابرة للحدود، وقبل ذلك تم إبعاد خطر الجماعات المسلحة بضربها في عمقها الاستراتيجي و التأثير عليها داخل مناطق النفوذ و الانتشار و التحكم الجغرافي.. لم يكن باستطاعة الجيش الموريتاني الذي يعد صمام الأمان ومبعث الهدوء و الراحة والنوم الهنيئ لكل مواطن؛ في حال قيامه بمايلزم - أمنيا داخيا وخارجيا- لم يكن ليصل إلى هدفه المنشود و يحقق الآمال و الطموح و يصبح شريكا عالميا؛ يصان له وزنه ويحفظ له قدره؛ إلا بفعل التحولات العميقة و إعادة البناء الممنهج، و التخطيط المحكم والدعم المعنوي قبل المادي؛ الذي حظيت به هذه المؤسسة قبل عقد من الزمن وحتى الآن، تحت قيادة وصفت غالبا بالتبصر و الهدوء و التأثير الفعال بعيدا عن الأضواء المصطنعة و الظواهر الصوتية المفتعلة.

إن ما شهدته بلادنا من زيارات متكررة لقادة أمنيين عالميين من حلف شمال الأطلسي و إسبانيا ومن دول خليجية وعربية و أخرى إفريقية و إنشاء شراكة أمنية مع المؤسسة العسكرية الوطنية وإبرام عهود و مواثيق..كل ذلك ترجم بجلاء التحولات الإيجابية التي أضفت بظلالها على أبعاد أخرى منها ماهو سياسي و منها ما هو اقتصادي وكل تلك العوامل أدت إلى دعم الشراكة الاقتصادية و تطوير البنية التحتية التي أصبحت شاهدة و عاكسة لمستوى التحولات التي أوصلت درجة الإقناع العربي قبل الإفريقي إلى إمكانية انواگشوط احتضان قمة عربية حملت إسم *الأمل*  أجريت حينها تحت خيمة؛ ترمز عند الشناقطة إلى البساطة و الانفتاح و احتضان الضيف و الأصالة..الشيء الذي قوبل كثيرا بقراءات عكسية ربطت البلاد بالعجز الاقتصادي و الفقر السياسي و انعدام بنية تحتية قادرة على استضافة قمة بذات الحجم و بمواصفات تنظيمية عالمية! ، أما الآن و قد تجاوزنا ذلك المظهر؛ للذين يقتصرون على المظهر و يربطون به كل الأشياء و ينغصون كل شيء بلاشيء!، ماذا سيقولون وهم يشاهدون القصر الدولي للمؤتمرات *المرابطون* وهو شامخ الرأس يتزين بأعلام الأفارقة، يستقبلهم بكرم الشناقطة، وعزم قادتهم و إصرارهم و حضورهم في المشهد العالمي بالرأي و المشورة.. الشيء الذي سيجعل حضور القادة الأفارقة في هذا القصر؛ الذي يتمتع بكل المقومات العمرانية و الحضارية التي تتمتع بها منشآت ألفوا الاجتماع فيها في دول أخرى، كثيرا ما نظر إليها على أنها الأقوى اقتصاديا، و الأكثر تقدما وهيمنة على المشهد السياسي و الاقتصادي و الأمني مألوفا؛ باستيفائه للشروط اللازمة وتمتعه بالمقومات الأساسية و الضرورية لعقد قمة مماثلة في أي مكان من العالم.

لا يمكن أن نتجاهل أن هناك جملة من العوامل المساعدة؛ ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في وصول بلادنا إلى هذه النقطة الهامة التي تعد علامة فارقة في تاريخنا الحديث، ومن هذه العوامل المساعدة -مثالا لا حصرا- : حصول المصالحة الوطنية بتجاوز كثير من الخلافات البينية المؤسسة أصلا على ادعاءات مبعثها إثني غالبا ما يكون الطريق إليه كيدي؛ الهدف منه سياسي خالص..

إن فضاء الحريات العامة الذي نجحت الحكومة الحالية بقيادة *المهندس* في الثبات عليه و تصدر المشهد الإعلامي العربي لسنوات متتالية بالإضافة إلى جملة من الإصلاحات الجوهرية التي كان من أبرزها رفع شعار محاربة الفساد -المشكل الصعب المتغلغل في مفاصل الدولة- وقد نجحت كثيرا في تضييق الخناق عليه؛ و إن كان القضاء الكلي على هذا الداء يتطلب زيادة في تكاتف الجهود و الإسهام الفعال من كل فرد على حدة ودعم عالى و ثابت من كل القيادات الوطنية وتماسك و حياد من الجهاز القضائي و هي أمور مازالت فعالة رغم الموجات و الهزات ومحاولات التدخل و التمزيق..

إن حضور *الرئيس* في المشهد السياسي العالمي؛ كان عاملا أساسيا في الوصول لهذه اللحظة و تبوأ العاصمة شرف ضيافة القادة الأفارقة؛ فكلنا نتذكر الحضور القوي للرئيس في القمة الإفريقية الأمريكية و القمة الإفريقية الفرنسية و على مستوى مؤتمر العالم الإسلامي و على المستوى الإقليمي و العربي، و كان له حضور لافت في فض النزاعات هناك و بتقديم الرؤى و الطرح و تسويق المقاربة الموريتانية.

إن تنظيم بلادنا للقمة الإفريقية (31) يعد تتويجا دبلوماسيا مشهودا و اعترافا قاريا و دوليا بالتحولات الإيجابية العالية على المستويات الدبلوماسية و الأمنية و الاقتصادية؛ وهنا ينبغي أن يضع الجميع خلافاتهم الجزئية جانبا لينعموا بنشوة التنظيم ورمزية الحدث؛ فالخطب وطني بامتياز و المكسب عام و ظله وافر يغطي الموالاة و المعارضة وما بينهما.


 

30. يونيو 2018 - 17:42

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا