قبل وداع عزيز / محمد الامين ولد سيدي مولود

altتداولت بعض المواقع الالكترونية، وخاصة المحسوبة على المعارضة، خبرا مفاده أن كلاما صدر عن رئيس الجمهورية لبعض أعضاء مجلس الشيوخ، ورموز موالاته، يُفهم أنه قد لا يترشح لفترة رئاسية ثانية. ومع افتراض أن الأمر صحيح وأن الرجل لا ينوي الترشح ثانية ـ وهو شيء أشك فيه شخصيا ـ ينبغي وضع القرار في سياق وظروف تجعله في صالح الوطن وفي الشعب، وفي صالح عزيز والمعارضة أيضا.

إن التجربة علمتنا ـ بعد تكرار كثير ـ أن ذهاب رئيس ومجيء آخر لا يعني بالضرورة تغير الأوضاع الى أحسن، أو أن الأمور ستتبدل مائة بالمائة، بل العكس إذ غالبا ما تكون النتيجة هي استبدال نظام سيء بنظام أسوأ، إن لم تكن تجليات نفس النظام القديم بصورة أشد رداءة مع تغيير طفيف في الشكل، أو قل في الوجه (تغيير شخص الرئيس فقط). لم يكن ذلك بالأمر الاعتباطي بل له مسببات تحتمه. لقد كان دور المعارضة في التغيير في الفترات الماضية ـ الأخيرة منها على الأصح إذ لم يكن لها أثر في انقلابات السبعينات والثمانينات ـ دورا ثانويا ولم يكن رئيسيا، حيث يستغل النظام القائم الأزمات الحادة وتصعيد المعارضة ونضالاتها من أجل استبدال شخص بشخص قد لا يكون أحسن منه في الغالب. يحدث ذلك رغم أنه قد لا يكون ثمة نظام بالمفهوم الشامل خطط له، لكن هناك شخصيات مؤثرة في الأنظمة وخاصة في العمود الفقري لها (العسكر) تقتنص الفرصة لتصل الى القصر، مستفيدة من عفوية المعارضة إن لم نقل سطحيتها، وغياب الشعب كفاعل رئيسي، وعدم رادع قانوني فعلي (أقصد ما يمكن تطبيقه، لا مجرد نصوص يجرم بها من قام بانقلاب القيام بانقلاب ضده). أما اليوم ومن أجل أن يكون لتصريح عزيز معنى، ويكون أكثر جدية في تطبيقه، فهنالك خطوات يجب القيام بها قبل ذلك: ـ بالنسبة للمعارضة يجب أن تقوم بتصعيد فعلي جدي يرغم عزيز على التصريح بنيته عدم الترشح ثانية إن لم تكن الاستقالة قبل نهاية مأموريته. ولن يكون ذلك التصعيد بالتركيز على جزئيات بسيطة رغم أهميتها (مثل أزمة المعهد، سجن الطلاب، أنشطة نقابية ضرورية حتى في الظروف العادية، منح صفقات بطريقة غير شفافة.. الخ)، بل بالتركيز على أمور جوهرية هي سبب هذه التجليات السالفة الذكر، مثل حكم العسكر عموما، رفض وعقاب من يصل بانقلاب حتى ولو زينه بعد ذلك بانتخابات صورية، جعل الشعب يتحرك واقناعه بتقديم نفسه كفاعل لا كمفعول به ..الخ. كما لن يكون ذلك التصعيد المنشود بالقيام برحلات كرنفالية إلى الداخل ، تشبه الحملات الانتخابية في ظروف ديموقراطية عادية وفي موكب من السيارات عابرة الصحاري، رغم حاجة أهل الداخل لمن يواسيهم هذا العام المجدب ولو بالكلام المألوف والممجوج. بل يكون ذلك التصعيد بالمظاهرات الضخمة والإعتصامات الدائمة التي تهز النظام وتعطل مساره المنحرف، وبنزول قادة المعارضة أنفسهم إلى الشارع والإعتصام في مخيمات ولو لم ينزل معهم غير الأعضاء التنفيذيين في أحزابهم، حتى ولو أدى ذلك إلى سجنهم وضربهم، فماهم بأقدس من حرمة مواطنيهم طلابا وعاطلين ! ـ أما عزيز فلكي يكون متفوقا على المعارضة ـ وقد تفوق عليها في بعض النزالات كاتفاق داكار والحملة الرئاسية ـ وقادرا على استباق الأحداث بصناعة الثورات، كما ينظر لذلك بعض كتابه من وزرائه السابقين وغيرهم وكما يعتقد هو نفسه، عليه أن يتخلص من الحساسيات السابقة اتجاه المعارضة بوصفه "مشروع رئيس سابق"، ويسعى لتحقيق إجماع وطني، وحوار شامل يرتب لما بعد حكم العسكر. ويجب أن تسبق هذه الخطوة اجراءات عملية مثل وقف جميع الصفقات المشبوهة، ورد الأموال المنهوبة من الخزينة العامة، وإقالة رموز التنظير للإنقلابات وتأييدها من الوظائف السامية للدولة خاصة التشريعية أو ذات الصلة بها (كالمجلس الدستوري، المجلس الأعلى للقضاء وأهم وظائف القضاء الأخرى، ومحكمة العدل السامية، ومحكمة الحسابات، ومفتشية الدولة) ولا بأس بإقالة أو تحويل رموز أخرى من مواقع منحت لهم على أساس المكافأة على أنشطة انقلابية متميزة (مثل البنك المركزي، وبعض قيادات الجيش والأمن). تبقى ضرورة فتح وسائل الإعلام الرسمية للجميع والمشاركة بشكل ايجابي عامل مساعدة لتنقية الأجواء، كما أن اطلاق سراح المعتقلين سواء من الطلبة أو من الذين تجاوزوا الفترات القانونية دون محاكمة او اتهموا دون أدلة من شأنه ترسيخ الروح الإجابية أيضا. ـ وبالنسبة للجميع (معارضة وموالاة) يمكن اعتبار الفترة المتبقية من رئاسة عزيز فترة انتقالية ضمنيا، وذلك بالعمل على تعيين حكومة ائتلافية واسعة الصلاحيات تشمل كل الوان الطيف تحت رئاسة عزيز، يكون أهم نقاط برنامجها العمل على خطة انقاذ اقتصادية وسياسية، تعالج أثر الجفاف وتحسن المستوى المعيشي للناس، وتنقي الأجواء السياسية وتعيد الثقة بين الشركاء، وتحدد اجندا انتخابية وتعين لجنة مستقلة للانتخابات..الخ. قد لا يجد هذا النوع من الطرح آذانا صاغية عند نظام ينسى أن جل مؤيديه يؤيدون بدافع المصلحة المادية الشخصية الآنية، وتاريخهم حافل بسرعة التخلي عن معبوديهم بل والتنكر لهم. كما قد لا يجد آذانا صاغية عند معارضة تنسى أن بعض مكوناتها الرئيسية تعارض لنفس السبب الذي والى بسببه أهل المولاة،كما تنسى أنها لم تستطع حتى اللحظة أن يكون أداؤها على مستوى التحديات. وقد تجد هذه الأطراف الفاعلة اليوم (عزيز والمعارضة) نفسها خارج دائرة الأحداث إذا لم توفق في إدارة الأزمة بشكل يخدم البلد واستقراره ويجنبه مزالق حتمية اذا استمر الوضع كما هو عليه الآن. إن من أهم مميزات ظروف التغيير اليوم هو قضاؤه على طرفي المعادلة التقليديين بنفس الدرجة كما حدث في عدة بلدان. سيبدو هذا الكلام للكثيرين ـ بالتأكيد ـ مجرد تنظير ممن يحلم بواقع أفضل لبلده، لكن سيدرك الكثيرون وخاصة الآخذين بزمام الأمر اليوم ـ وخصوصا عزيز بوصفه الفاعل الأهم ومحور الموضوع ـ مدى سهولة تطبيق هذا التنظير وجدوائية نتائجه مقارنة مع نتائج مجهولة تترتب على أعمال عنف أو ثورة أو انقلاب باتت تلوح في الأفق.

27. فبراير 2012 - 12:11

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا