مآلات الأزمة وفرص النجاة / سيدأعمر بن شيخنا

altهناك إجماع بين المراقبين السياسيين على أن الازمة الحالية التي تمربها البلاد تعتبرواحد من أشد الأزمات التي مرت بها الدولة الموريتانية الحديثة خلال الخمسين سنة الماضية من عمرها بل و شكلت تجميعا غير موفق لمشاكل الدولة الموريتانية المتراكمة سواء ماتعلق منها ا بمشكل أطماع وتدخلات دول الجوار .

،أوالمشاكل المرتبطة بالغبن الحاصل في قسمة السلطة والثروة ،بالإضافة للمشاكل الناجمة عن الفهم الملتبس لدى قطاعات من النخبة الموريتانية حول مفاهيم مثل الدولة والوطن ،ناهيك عن المشاكل المترتبة على أخطاء وتجاوزات النظم السياسية المتعاقبة والتي كان أعظمها ضررا وأعمقها تأثيرا نظام الرئيس معاوية ولدالطايع.

لقد انقسمت الساحة السياسية بعد إنقلاب السادس من أغسطس إلى معسكريين رئيسيين معسكرالمؤيدين للإ نقلاب ومعسكرالمتمسكين بالشرعية المطالبين بعودة الرئيس ولدالشيخ عبدالله إلى الحكم مما حصر الوضع في البلد بين موقفين حديين وجعل الناس مرغمين على أن يكونوا من أنصار الجنرال المتمرد أو من أنصار الرئيس المخلوع صاحب الشرعية العرجاء ،و رغم أنه لايجوز بحال المساواة بين الضحية والجلاد بمعنى أنه ينبغي التأكيد دائما على حقيقة أن الجنرال ولد عبدالعزيز هو المسؤول الأول والأخيرعن إدخال البلاد في الأزمة الحالية بفعل طموحاته السلطوية الجارفة ،وبحسب مايظهر من معطيات فإن المآلات المتوقعة للأزمة الحالية ستنتهي إلى واحد من المآلات التالية: 
المآل الأول : نجاح الإنقلاب 
على الرغم من التحديات الكبيرة المحيطة بإنقلاب السادس من أغسطس فإنه لايزال هناك احتمال نجاح الانقلاب ووقوف النظام على رجليه وذلك بفعل مجموعة من العوامل 
ا- التماسك الظاهري للمؤسسة العسكرية والذي يعود إلى أسباب منها السيطرة المحكمة عليها نسبيا بفعل عمليات الفرز وإعادة الفرز التي تشهدها بين الحين والآخر و الواقع المتمثل في تغول أجزاء من المؤسسة على باقي الأجزاء- والذي مثل إستراتيجية معتمدة في السنوات الماضية- بالإضافة للتركيبة التي خرج بها المجلس العسكري الحاكم وماترمز إليه من توازنات داخلية ذكية ناهيك عن عمليات الشحن النفسي حول حكاية ماضي حقوق الإنسان وما يرتبط بها من حساسيات يضاف إلى هذا أن الجيش خرج لتوه من محنة صراع معاوية والفرسان وماسببته له تلك المحنة من نزيف داخلي حاد 
ب-إسترضاء الغرب :
يمثل الموقف الغربي من الإنقلاب مشكلا كبيرا بالنسبة للإنقلابيين وحافزا قويا لجبهة معارضيهم ،ولكن الغرب في النهاية طرف يبحث عن مصالح اقتصادية وإستراتيجية متى توفرت مع أي طرف وفي ظل أي وضع سيكون إلي جانبها وفي هذه الحالة التي يوجد فيها نظام نفعي فاقد للشرعية والمشروعية يمكن تحت ضغط تأثير الواقع الذي يواجهه أن يعمل على تلبية كل مايطلب منه من أجل نيل إعتراف أوحتى دعم غربي له ، فمثلا يمكن أن يقبل لأمريكا بوجود عسكري وإستخباراتي دائم لها في موريتانيا من خلال أفريكوم أوغيرها ،ويمكن أن يمنح فرنسا ومن خلفها الإتحاد الأوربي أمتيازات كبيرة في مجالات الصيد و النفط بل وحتى وجود عسكري في ظل توجه فرنسي لإنشاء قواعد عسكرية جديدة حول العالم وموريتانيا بلد مهم مطل على صحراء في باطنها ثروات وعلى ظهرها إرهاب ، 
فيما يمكن أن يتكفل الحليف المغربي بشأن الجامعة العربية عبر البوابة السعودية وتقوم ليبيا بدور مماثل في إفريقيا 
ج- تفكك جبهة المعارضة 
وهو أمريبقى واردا في حالة نجاح نظام الجنرال في تغيير الموقف الدولي من الإنقلاب، أوفي حالة نجاح مساعي الجنرال وحلفائه في إقناع الرئيس ولدالشيخ عبدالله بالإستقالة من منصبه تحت دعاوي إنقاذ البلد من وضع كارثي لم يعد أحد بمقدوره إنقاذه منه سواه وهي المحاولات الجارية على قدم وساق ويمكن أن يكون لمحكمة العدل السامية ولجان التحقيق البرلمانية دورما في الضغط على أعصاب الرئيس 
مما سبق نسجل أن الوضع الوحيد الذي يمكن فيه للإنقلاب النجاح سيكون مرهون بشروط تتعلق ببقاء المؤسسة العسكرية متماسكة أوالنجاح في تغيير الموقف الدولي أو في مساعي إقناع الرئيس بالإستقالة وهي كلها شروط بعيدة الآن ولكنها تبقى ممكنة التحقق رغم فظاعة الثمن الذي سيدفع البلد جراء ذلك ا 
المآل الثاني : عودة الرئيس ولد الشيخ عبدالله 
لايزال سيناريوا عودة الرئيس ولدالشيخ عبدالله واردا رغم مايحيط به من مطبات وعراقيل وذلك نظرا لمايمثله من شرعية حتى ولوكان فيها مايقال لكنها تبقى شرعية يجب إحترامها ولايجوز القبول بالطريقة التي تم بها الإنقلاب عليها عامل ثاني هام يخدم خيار عودة ولدالشيخ عبدالله يتمثل في وجود تحالف سياسي قوي مناصر يضغط بإتجاه عودته للسلطة وقد تعزز هذا الموقف الداخلي بمواقف دولية أعلنت تشبثها بالرئيس المنتخب وضرورة عودته للسلطة ، ويبقى سيناريوا عودة ولدالشيخ عبدالله للحكم مرهونا ببقاء الموقف الدولي المساند لعودته والرافض للتعامل مع نظام الجنرال ، وصمود جبهة الدفاع عن الديمقراطية وتماسكها وصمود الرئيس نفسه في وجه الضغوط التي تمارس عليه بغية إقناعه بالإستقالة ، 
عودة ولد الشيخ عبدالله للحكم في حال وقوعها ستتم وفق واحدة من الطرق التالية
: أن تتم ضمن إطار أتفاق بين الأطراف المتنازعة يعود بموجبه الرئيس المنتخب إلى السلطة ولو مؤقتا ، أو أن تتم على إثر إنقلاب عسكري ناجح يطيح بالمجلس الأعلى للدولة ويعيد ولدالشيخ عبدالله للحكم أو أن تتم العودة بعد تدخل أجنبي تحت دعاوى إعادة الشرعية ، 
المآل الثالث : الخروج من ثنائية عزيز وسيدي 
إن بقاء نظام الجنرال ولد عبدالعزيز أمر مرفوض و تجب مقاومته بكل السبل لما يمثل من إهانة للموريتانيين وتهديد لأستقرار البلاد وتجاوز للشرعية الديمقراطية ، فيجب إفشال إنقلابه لأجل مستقبل موريتانيا وجعله عبرة لكل من تسول له نفسه سرقة آمال الشعوب ،وبالإضافة لهذا الموقف المبدئي الحاسم فإن نظام الجنرال نظام لايمتلك عناصر البقاء فهو مرفوض داخليا من قوى تمثل الثابت في موريتانيا وغيرها يمثل المتحول وهو ثانيا لايحظى بدعم ورضى جل المؤسسة العسكرية مما يفتح الباب لموجة إنقلابات لايتحمل البلد تداعياتها ، ناهيك عن المواقف الإقليمية والدوليةالرافضة للإعتراف بنظام السادس من أغسطس وما يعنيه ذلك من مضاعفات في بلد عنده من الأزمات مايكفيه ،
و في المقابل لاضرورة لعودة ولدالشيخ عبدالله إلى الحكم وذلك لأعتبارات ثلاث أولها يتعلق بنقص المصداقية في الشرعية العرجاء التي يتكأ عليها والتي ماكان ينبغي أصلا قبول الاعتراف بها ، ثانيها غياب الجاذبية في نظام ولدالشيخ عبدالله سواء على مستوى البنية أوالرؤية أوالنتائج ، وثالثها الثمن الباهظ الذي سيكلف البلاد في حال تمت عودته شبه المستحيلة ، وبين الخيارين السابقين اللذان يتقاسمان الساحة السياسية تقريبا ينبغي التفكيرفي بلورة طريق ثالث يخرج الموريتانيين من شرنقة هذه الخنادق البائسة واليائسة التي يدفعون إلى داخلها دفعا ،وذلك عبر إرغام الجنرال ولدعبدالعزيز على التنحى عن السلطة، وطي صفحة ولدالشيخ عبدالله 
وفتح مشاورات وطنية تاريخية جادة ومسؤولة تفضي لاختيار رئيس وحكومة انتقاليين يشرفان على تنظيم انتخابات ديمقراطية شفافة ،هذا الحل يمثل الخيار الوحيد الذي سيجنب البلد غوائل التدخل الأجنبي وفتن الإحتراب الداخلي ويخرج الطرفان من والورطة التي دخلا فيها و أدخلا معهما البلد ولن يكون في هذه الحالة غالب أو مغلوب ، ومن ميزات هذا الخيار أنه يخرج السلطة في موريتانيا من قبضة النواة الصلبة لنظام ولدالطايع وحروبها الصامتة ضد بعضها البعض ، 
الخطوط الحمر
في خضم هذه الأزمة المستعصية التي تمر بها البلاد حاليا ينبغي التأكيد دائما على أن هناك خطوط حمر ينبغي أن لا يتم تجاوزها من قبل أي كان أول هذه الخطوط الحمر هو الإستقواء بالأجنبي والإستظهاربه على المخالف الوطني أو التماهي مع أي مواقف أوأ جندة إقليمية أودولية من شأنها المساس بأستقلال وسيادة البلد سواء كان ذلك من قبل السلطة أو المعارضة ، أما الخط الأحمر الثاني فهو اللجوء للعنف لحل المشاكل السياسية فينبغي أن تدار المعركة السياسية الحالية بشكل سلمي بعيد ا عن أي نوع من أنواع العنف نظرا لحرج اللحظة وحساسية الوضع الذي لايتحمل أي مستوى من مستويات العنف 
إلى أين نتجه 
إذا استمرت الأزمة التي تسبب فيها انقلاب السادس من أغسطس من دون حل سريع فإن البلاد للأسف تتجه نحو المجهول ويمكن أن تكون بداية دخول ذلك المجهول من خلال محاولات الإطاحة بالنظام في ظل وجود قناعة راسخة لدى الحاكمين بمبدأ أنا أو الطوفان أما الخطر الثاني فيتمثل في تطورا لأوضاع في أتجاه تدخل دولي ،وهي الامورالتي تنذر بمخاطر حقيقية على مستقبل البلد لاسيما في ظل حديث عن عودة التفكيرفي مستقبل موريتانيا في دهاليز الدوائر الإستراتيجية الإقليمية والدولية باتجاه تقسيم البلد ،وهوا لموضوع الذي كان قد طرح مرتين أولاها كانت سنة 1960م وكشفت عنه جريدة لموند الفرنسية حينها وذكره الرئيس المختار في مذكراته ، أما المرة الثانية التي طرح فيها الموضوع فقد كانت سنة 1979م في خضم الأوضاع السياسية الساخنة التي أعقبت انقلاب العاشر من يوليو وحرب الصحراء والخلفيات الإقليمية في صراع الأجنحة داخل النظام حينها.

21. مايو 2012 - 18:40

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا