مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا - مجتمع البظان نموذجا (2) / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

استراتيجية الإسلام في محاربة الرق 

وضع الإسلام سياسة عملية  للقضاء على الرق من خلال محاصرة الأسباب المؤدية له وذلك من خلال :

_ اعتباره تحرير الأرقاء مصدرا للثواب وزيادة للأجر 

_ الأمر بمكاتبة المملوك ليحصل على الحرية مقابل مبلغ مالي يدفعه عن طريق وثيقة مكتوبة وهذا الأمر على وجه الوجوب عند الكثير من الفقهاء 

_ تحريم استرقاق ذوي الرحم 

_ جعل كفارة ضرب المملوك عتقه 

_ سريان العتق على كل أجزاء المسترق إذا حرر جزء منه 

_ صرف مداخيل الزكاة على الأرقاء لمساعدتهم على التحرر من أسر الرق 

_ فتح باب الحرية عن طريق الكفارات  في الصوم واليمين والظهار مثلا .....

_آمضاء عتق الهازل

وبالإضافة آلى كل هذه المحفزات   

الهادفة للقضاء على الرق فإن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوة المسلمون ومثالهم  

الأسمى انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو لا يملك عبدا واحدا فعن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت :

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه  وأرضا جعلها صدقة 

وكما فتح الإسلام أبواب الحرية بتجفيف منابع الرق فإنه قضى على مضاعفاته الاجتماعية والسياسية والثقافية  

فعلى المستوى الآجتماعي طبق النبي صلى الله عليه وسلم فحوى قول الله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم  ) حيث زوج صحابته الموالي الخارجين من عباءة الاسترقاق من صحابيات ينتمين لإعز بيوت العرب فقوض بذلك دعائم الطبقية الاجتماعية  ومن المعروف أن الكفاءة المطلوبة في الزواج هي الدين والحال أما اعتبار النسب شرطا في الكفاءة فهو من العادات  الخا رجة على الإسلام التي أصبحت مع الوقت جزءا من الفقه  (سنتعرض لهذه النقطة بشيئ من التفصيل لاحقا ) وعلى المستوى السياسي 

أيضا عين  النبي صلى الله عليه وسلم الموالي الخارجين من ربقة الرق في الوظائف السامية يومئذ فكانوا قادة للجيوش والسرايا وعلى من  يحب التوسع في الموضوع أن  يعود إلى كتب السيرة والتاريخ .....

ومع أن الإسلام دين عدل ومشروع مجتمع يهدف لتحقيق المساواة بين الناس ومع أنه أوصد جميع أبواب الرق التي كانت مشرعة قبله ومع ما صرحت به الآيات والأحاديث النبوية من تكريم للإنسان حيث لا نجد آية واحدة تأمر بالاسترقاق فإن تعامل العرب المسلمين مع هذه السياسة الإنسانية التحررية كان سلبيا حيث مارسوا الرق وأقروه باسم الإسلام نفسه فكيف تم ذلك ؟

إعادة إنتاج الرق : 

آن المنعطف السياسي الخطير الذي عرفته الدولة الإسلامية منذ قيام الدولة الأموية والمتمثل في اختيار نظام الملك الوراثي القائم على الاستبداد والعصبية القبلية وما صاحب حروب الجهاد منذ تلك الفترة ( بعد العهد النبوي ) من ممارسات غير إسلامية هو الذي أدى إلى تراجع المنهج الإسلامي التحرري وعمل على استنبات ظاهرة الرق من جديد 

الانقلاب الخطير :

لقد أسس قيام دولة بني أمية في نظرنا لتراجع خطير عن مسار الإسلام  خلال العهد الراشدي 

أسس العهد النبوي  لسياسة كلها عدل  ومساواة تقوم على ثلاثة أبعاد هي : بعد سياسي يقوم على المشاركة الشعبية حيث  ترك لجماعة المسلمين اختيار الأمثل للحكم ذلك ما نجده واضحا في المسار السياسي لخلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم 

 كان أبوبكر الصديق رضي عنه محل إجماع الصحابة بعد الحوار السياسي الذي دار بين جماعتي المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة 

ومن المعروف أن أبأ بكر  لا ينتمي للبيت الهاشمي ولم يوص  لأي من أبنائه بالحكم  من بعده

من أبي بكر انتقلت الخلافة إلى رجل آخر هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه  الذي لا ينتمي هو الآخر للبيت النبوي   هذا الرجل لم يشأ توريث ابنه الصحابي البارز عبد الله بن عمر   بل إنه طور التجربة السياسية بمبدإ سياسي شكل إهمال المسلمين له خسارة سياسية كبيرة هذا المبدأهو مبدأ الشورى التي طبقت خلال  اختيار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه 

ولن ندخل في مطبات الصراع السياسي الذي طبع العهد الراشدي منذ نهاية الفترة العثمانية وحتى وفاة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه  لكن ما يهمنا أن الحكم الوراثي القائم على العصبية القبلية الذي قضى على الشورى  ورسخ ثقافة الاستبداد منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم وحول الدولة من دولة قائمة على القومية الإسلامية إلى الدولة القائمة على العصبية القبلية هو مظهر من مظاهر الانقلاب الذي نتج  قيام الدولة الأموية وقضى على  المشاركة السياسية التي  أسس لها العهد النبوي

14. ديسمبر 2018 - 15:25

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا