تأملات قرآنية (القرآن الكريم كتاب النهضة الشاملة) / المختار محمد عالي 

نطرح اليوم السؤال القديم المتجدد لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم  رغم أن لديهم آخر رسالة سماوية وقد حاول مجموعة من العلماء الإجابة على هذا السؤال منذو الأفغاني ومحمد عبد وشكيب أرسلان والكواكبي ومالك بن نبي وغيرهم من الرواد  حتى الحداثيون الذي اتخذوا أدوات غربية لفهم  الإسلامي كالجابري واركون وحنفي وغيرهم  وكذا التيارات المعاصرة إسلامية كانت أو قومية ماهي الا محاولات  للنهضة لكن الفارق هو فقط في الإجابة على سؤال هل التراث الإسلامي هو السبب  ام لا  البعض  يقول ان المشكلة في فهمه والبعض الاخر يقول السبب هو غلق باب الاجتهاد والركون الى أفكار التيارات الزهدية التي تفصل الانسان عن الدنيا والبعض يعتبره مرحلة تاريخية يجب تجاوزها ...

 وهذه الأفكار الكثيرة المتصارعة طالما شرقت فيها وغربت بحثا عن الحل بحثا عن رد يشفي غليلي في الامرولما وجدت وقت فراغ شحذت دهني وتفكيري لأكتب هذه الكلمات لعلها تكون عنصر إثارة من جديد يقرأها الشباب الحائر ..

فأقول وبالله التوفيق :

هناك مقدمات ينبغي أن نبدأ بها وهي:

1- القرآن الكريم الذي هو المصدر لهذا التراث اخر كتاب سماوي منزل من الله تعالى ومن شأن هذا الكتاب ان يكون فيه القيم العليا لإيجاد ما يسعد البشرية في الدنيا والاخرة.

2- ان اعظم رجلات الإصلاح عبر التاريخ هم الأنبياء عليهم السلام 

3- ان الله عزوجل أورد قصص الأنبياء لتكون نبراسا يقتدي بها كما سنتبين ذلك.

4- ان هذا القرآن الكريم لم ينزله الله تعالى ليكون لمجرد التلاوة والتعبد المحض بهدف حصول الثواب فقط كما سنرى.

وعلى هذا الأساس سيكون القرآن الكريم وقصص تمثل الأنبياء للإصلاح هو منطلقنا للإجابة على هذا السؤال:

قال الراغب الأصفهاني في مفرداته إن الله تعالى خلق هذا الانسان لثلاث مهمات عظيمة وهي (العبودية : "وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون" والاستخلاف " " إني جاعل في الأرض خليفة " الاستعمار " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم  فيها" ) فلهذه المهمات الثلاث جاء القرآن الكريم لاصلاح هذه الدوائر الثلاث وهو المفهوم من حوار الملائكة مع الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام  " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " فمقتضى هذه الآيات ان الانسان خلق للتسبيح أي العبادة والإصلاح في الأرض وعمارتها  وصون الدماء والقضاء على المنازعات والحروب وسفك الدماء والعمل يسعد هذا الانسان ويرضي خالقه سبحانه وتعالى.

وإذا تأملنا القرآن الكريم نجد أن جميع ما ورد فيه لا يخرج عن دائرة من هذه الدوائر الثلاث إما الدعوة الى العبودة لله تعالى وما يتعلق بها من اركان وواجبات وسنن او دعوة الى اصلاح المجتمعات وإرساء قيم مثل العدل والمساواة والشورى وحرية التدين... وعلاقة الفرد بمن حوله من البشر والقوانين المتعلقة بهذه العلاقة حتى تصان الدماء ويحترم الانسان اخاه الانسان أو الدعوة الى  إصلاح  الأرض وخلق البنية التحتية التي تجعل الإنسان يعيش في رفاه وسعادة فيصلح الأرض وتحسن علاقته بالآخر وفِي نفس الوقت قلبه معلق بخالق السماوات والأرض...

وإذا نظرنا الى سير الأنبياء من لدن آدم عليه السلام الى محمد صلى الله عليه وسلم نجد انهم كانوا يدعون الناس الى هذه الدوائر الثلاث لكن يقع التركيز في كل مجتمع على الدائرة العرجاء التي تحتاج الى جهد أكثر حتى تستقيم مع بقية الدوائر وسنأخذ بعض الأمثلة  على  لا الحصر 

1- "وإلى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه إن ربي قريب مجيب "

فواضح انهم لم تكن لديهم معاناة في البنية التحتية ولا الخلافة وإنما كانت مشكلتهم في الدائرة الأولى وهي العبودية بسبب غرورهم بالنهضة في دائرة الاستخلاف والاستعمار "تتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين "

2- وقوم فرعون جمعوا الفساد في الدوائر الثلاث عبودية فرعون " أناربكم الأعلى " استعباد البشر واكل حقوقهم "إذ نجيناكم من آل فرعون يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءكم " " تلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل" كما استخدمهم لبناء قصوره الخاصة اوالاهرامات ليدفن فيها بعد موته " وفرعون ذي الأوتاد " لهذا كانت مهمة موسى عليه السلام من أكبر مهمات الأنبياء في التغيير .

3- محمد صلى الله عليه وسلم دعا الى الدوائر الثلاث لفساد المجتمع الذي بعث فيه وعدم وجود كيان سياسي او عمراني يمكن أن يكون منطلقا للدولة الإسلامية لذلك  بدأ بالدعوة الى عبادة الله تعالى ثم كوّن خلافة في المدينة وبدأ يضع لها الأسس الاقتصادية الممثلة في المؤاخاة بين المهاجرين والانصار ..وكذا بدأ بوضع أسس اجتماعية ممثلة بأول وثيقة دستور تكتب فيها الحقوق والواجبات في مجتمع مختلط الديانات والأعراق والقبائل أساسها الاحترام والتعاون كما بدأ بوضع بنية تحتية كبناء المسجد للتعليم والعبادة والاجتماع وإدارة شؤون المدينة ...

وكذا بقية الأنبياء لو لاحظنا سيرتهم نجد انهم جمعوا هذه الدوائر الثلاث وكما في الأثر ( إن بني إسرائيل كانت تسوسهم أنبياءهم كلما مات نبي خلفه آخر)

ادا  فالقرآن الكريم كتاب النهضة الشاملة التي تسعد الانسان في الدنيا والاخرة فهو كتاب عبودية لله تعالى وهو أيضا كتاب تنظيم حياة البشر الاقتصادية والاجتماعية وهو اعظم كتاب محفز على عمارة الأرض بأنواع البنى التحتية التي تحقق سعادته في الدنيا والاخرة 

الإنسان المسلم لا يكون إسلامه صحيحا كما أمر القرآن الكريم الا إذا كانت له مساهمات في الدوائر الثلاث ومهما قرأ وتلا وكبر مصحفه فإنه لم يحقق الإسلام لكونه عطل  العمل بكثير من الآيات  التي تحثه على الدعوة الى الاستخلاف والاستعمار للأرض والله المستعان وعدم  الاهتمام  بهذه الدوائر الثلاث هو سبب فشل المسلمين في إيجاد دولة إسلامية متوازنة ولهذا فشلت كل التجارب حتى الان مثل الأفغان الذين ركزوا على حفظ القرآن وكثرة الكتاتيب وجانب العبودية لكنهم عطلوا من القرآن ما يتعلق بالاستخلاف والاستعمار وهكذا السودان وتونس .. وكل التجارب المعاصرة التي وضعت الإسلام عنوانا لنهضتها على الرغم من وجود محاولات جادة في بلداننا الإسلامية والله المستعان. 

واعتقد ان القرآن الكريم فيه إجابة على السؤال القديم المتجدد .والله ولي التوفيق.

الكاتب المختار محمد عالي 

4. يناير 2019 - 15:23

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا