الأسماء المنْكرة! / أحمد فال ولد الدين

altيروي ابن قتيبة في كتابه “الشعر والشعراء” أن جريرا أنشد بعض الخلفاء الأمويين قصيدته التي مطلعها: بان الخليط برامتيْن فودعوا * أو كلما جدوا لبين تجزع؟ فأخذ الخليفة يتحفز ويزحف من حسن الشعر حتى إذا بلغ إلى قوله: وتقول بوزع قد دببتَ على العصا * هلا هزئت بغيرنا يا بوزع!   أسكته الأمير وقال له: أفسدت شعرك بهذا الاسم.

وذكر أن الخليفة الذواقة عمربن الخطاب “سأل رجلا أراد أن يستعين به على أمر عن اسمه واسم أبيه فقال: “ظالم بن سراق، فقال عمر: “تظلم أنت،ويسرق أبوك؟” ولم يستعن به”. وعلق ابن قتيبة على هاتين القصتين قائلا: “إن السلف كان يتطير من الاسم الفظيع.” (الشعر والشعراء- م. الأول ص71 -71).

ثم قال بن قتيبة بعد ذلك: “وقد يقدح في الحسن قبحُ اسمه، كما ينفع القبيح حسن اسمه، وترد عدالة الرجل بكنيته ، ولقبه ولذلك قيل: اشفعوا بالكنى فإنها شبهة”.
لا أقرأ هذه الفقرات إلا تذكرت بلاد السيبة وأسماء أهلها.

فرغم أن بلدنا تميز باهتمامه ووعيه اللغوي إلا أن ساحة اختيار الأسماء ظلت فريدة في طبيعتها. إذ نتميز بنزعة غريبة في اختيار الأسماء المنكرة التي تصك الآذان.

فتجد الرجل الطّوال الذي لا بأس بعقله ومروءته لكنك عندما تسأله عن اسمه أو اسم أبيه تسمع منكرا من القول. تسمع أسماء من قبيل – أبدأ بنفسي– “فال” المنطوقة ب”V” الأعجمية، وتسمع “أبوه” (له أب!) و”أباه” والداه و”باب”.

يحز في نفسي أن هذه الأسماء تنتشر في مجتمع تربى على قراءة التاريخ ويضج خياله الجمعي بأسماء من قبيل خالد وسلمى، وحمزة وهند، والزبير وأسماء، وعبد الملك وريا، وهارون زبيدة، وجميل وبثينة، فأين يذهب به؟.

والطامة أنه إذا آب أحدهم إلى الفطرة فاهتدى لاسم سليم مثل “محمد الأمين” يحوله أهلوه إلى “ميْمينْ” و”امين” فيُصحف اسم الرجل ويُلوى كأن أهله يطالبونه بذحل قديم!.

أما “كلثوم” فتتحول إلى “كهوم” و”النينة” ولله الأمر من قبل ومن بعد.

علم الله أني أنزعج وتقلس نفسي عندما أجد الفتاة الحسناء كأنها الدنيا المقبلة لكنك ما إن تسمع اسمها حتى تُراع ويُستطار قلبك. فتسمع “شِدّورْ”- ماذا تريد؟- و”إسلم خالها” – أما هي فلا يردون سلامتها- وما سبكوها” – بكاف معقودة – و”النمّ” – أو هكذا يكتبونها” و”حاج” وإسلكها” (يكتوبنها بدون ألف).

ولعل السبب وراء نكارة هذه الأسماء أنا كنا مجتمعا شفيها لا حضور للاسم المكتوب فيه فكانت الكنى تنقل شفهيا سليمة –رغم نكارتها- في مجتمع مغلق، أما اليوم فإن العالم أصبح قرية واحدة –على لغة إذاعتنا المبجلة- وأصبحت الأسماء تُرى مكتوبة فتنطق من طرف أقوام ليسوا من “أهل لخيام”، مما يجعلها تزداد نكارة ونتوءً عن الذوق السليم. 

إن أسماءنا عبارة عن أفعال وأدعية وجمل، فهذا “لا مات” وتلك “إسلم أخوالها” وذاك إطول عمر! وهذه إنجيها وهو إنجيه!.

والطامة الأخرى هي طريقة تهجئة هذه الأسماء. ف”حاجة” تكتبها إدارة الجوازات عندنا “حاج” وهكذا بجرة قلم تتحول فتاة جميلة في مقتبل العمر -ينادى بها في المطارات العالمية- إلى شيخ “حاجّ” (بدل “حاجة” أنثى على الأقل.).

أحار دائما في هذه البلية وأسبابها. فلقد درس أجدادنا في كتب السيرة روعة الذوق الذي زرعه النبي صلى الله عليه وسلم حينما غير أسماء منكرة إلى أسماء جميلة. من ذلك ما ثبت عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم غيّر اسم عاصية، وقال: “أنت جميلة”.( الحديث في مسلم) فيا الله! أي ذوق هذا؟.

أتمنى أن تخرج الحكومة قائمة أسماء لا يسجل مولود خرج عنها شريطة أن يستشار أهل الذوق واللغة وإلا ستتضاعف الطامة.

أكتب هذه الخاطرة على عجل لأني قرأت أمس أن حكومة اتشيلي أقالت أمين البنك لأن اسم تشيلي ظهر بتهجئة خاطئة على العملة، وأتمنى أن يقال كل من له علاقة بافتراس الأسماء في إدارة الجوازات، كما أتمنى معاقبة كل من يعطي ولده اسما منكرا، وأن يدفع الأبوان فدية إذا ما اختارا اسما فظيعا لولدهما.
مساء ممتعا.

27. مارس 2010 - 17:06

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا