وَيُقرِّرُ الرَّئِيسُ الخروجَ، مُعَزَّزاً مُكَرَّماً / محمد يسلم يرب ابيهات

لَكَمْ يحُزُّ في نفس المتتبع لما تزخر به ساحتنا السياسية هذه الأيام ، من سجالات، وردود أفعال وتعليقات، في التدوينات والمقالات، أن يكون الصلف، والتحامل، والغباء من نصيب من يُنعت- بكثير من التجاوز والتساهل- بأنه مفكر! ويحمل فوق ذلك كله لقب "الشنقيطي"!

ولكم يتأسف المُشْفِقُ، المخلص للمواطن العادي، أن يُغَرَّرَ بهذا الأخير، ويُضَلَّلَ، في الوقت الذي يَنْتَظِرُ فيه، بل يستحق علي قادة الرأي، والمفكرين من الطليعة من بني وطنه، التنويرَ، والإرشادَ، والحيادَ، والموضوعيةَ، والتجرد، والانحياز للحق حيثما كان، والغيرة علي حفظ المشترك وصونه، والذب عن المصالح العليا للوطن.. .

 لماذا كل هذا الإصرار علي السلبية والعدمية، من قبل أدعياء الفكر والمعرفة، الذين لم يجدوا من طريقة للنقد "الموضوعي"، إلا التغريد، بل "النعيق" ، من الخارج، للتشويش علي أفكار المواطنين، والتغرير بهم، وبث الضغينة، والشحناء والكراهية...

الحق أن فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز سيخرج "معززا"  "مكرما"، وليس صاغرا؛ بعد أن قرر بشكل قاطع، طواعية منه، وببصيرة ثاقبة، وحكمة عميقة، وحنكة أكيدة، أن لا مجال لتعديل دستور البلد، وأن الوفاء بالوعد، واحترام قدسية اليمين الدستورية، أمر لا يقبل النكوصَ، ولا حتي المساومة ولا النقاش...

وبدلاً من الإشادة بهذا الموقف التاريخي، بكل المقاييس، وإعطائه ما يستحق من التقدير والتنويه به، وإبراز ما يمثله من تعزيز فعلي وترسيخ عملي للتناوب السلمي علي السلطة، اختار أدعياء الفكر والتفكير، وللأسف، الإمعان في الافتراء، والسلبية، والمجاهرة بالباطل..

ولكن لن تجدي تلك المحاولات في غمط القرار، ولا بخسه حقه. فالشجاعة التي دعت إلي اتخاذ قرار حكيم كهذا، وهو القرار القاضي بعدم المساس بالدستور، والتخلي عن السلطة طواعية، هي نفس الشجاعة التي دعت صاحبه إلي تلبية نداء الوطن، يوم أن قاد حركة التصحيح سنة 2008؛ التي قادها، هو، ورفيق دربه، ولد الغزواني.

ولد الغزواني، الرجل الهمام، الشهم الوفي، والقيادي الهادئ، ورجل الدولة التوافقي؛ الذي لم يتخلف هو الآخر عن أي لحظة حاسمة من مفاصل تاريخ وطنه، طيلة العقدين الفارطين..

ونظراً لذلك، يبدو اليوم جليا أن لا غرابة، إذا وقع اختيار الحزب الحاكم، والأغلبية الداعمة علي هذا المرشح، وذلك، لما ظل يتصف به من قُرْبٍ من الرئاسة، واطلاع علي كل الملفات الحساسة للدولة،  ولما تُمليه عليه المرحلة من ضرورة مواصلة تنفيذ المشاريع الضخمة التي تم الشروع فيها من قبل صديقه ورفيق دربه، ولم تستكمل بعد؛ وللمحافظة علي مكسب النجاح الذي تمّ إحرازه في الرهان الأمني، وهو مجال يزداد تعقدا وتشعبا يوما بعد يوم؛ بعدما تأكد في عالمنا المعاصر أن الأمن والاستقرار، شرطان لازمان للحديث عن التنمية.

وإنّ اختياراً بهذا الحجم من الثقل، -إذ يتعلق الأمر بشخص يحظى باحترام كبير، حتي من خارج الحزب الحاكم- ؛ لهو اختيار سديد، يفتح آفاقا واعدة للشعب الموريتاني، بالمزيد من البناء، والتشييد، والنمو والازدهار.   

هي إذا قرارات مدروسة بعناية فائقة، نحتتها التجربة المُشَرِّفَةُ في تسيير البلاد، وصقلتها الدُّرْبَةُ والمِرَانُ علي احتلال مواقع الصدارة في تحمل المسؤوليات الجسام، ورفدتها همم عالية علوّ الجبال الشمّ، ودعمتها شيمة التعود علي تلبية نداء الوطن، بكل تضحية وتفان..

 لذلك لن تُغَيِّر تلك المواقف المجانبة للصواب، من حقيقية أن بلادنا، ولله الحمد والمنة، تنعم اليوم باستقرار تحسد عليه، وتنعم بسلم اجتماعي عز نظيره في الكثير من الدول، وهي علي مشارف الحسم، عن طريق صناديق الاقتراع، لا غيرها؛ في مواصلة نهج أثبت نجاحه، وشهد له القاصي قبل الداني، والشاني قبل الحاني..

فما علينا إلا أن نُسهم في خلق جوّ من الاحترام المتبادل، بين مختلف مكونات الطيف السياسي، يتسم بالمحافظة و الإبقاء دائما علي الحد الأدنى من التفاهم حول الأساسيات التي تهم بلدنا اليوم، وتطرح نفسها بإلحاح، ويجدر التذكير بها، ألا وهي، أمور مسلمات، ثلاث، من أبجديات الديمقراطية :

1-للأغلبية الرئاسية، والحزب الحاكم، الحق المطلق، في ترشيح من يَرَوْنَهُ مناسبا لقيادة البلد، بنفس الحكمة، والاتزان، والرؤية المتبصرة، لمواصلة نهج الإصلاح، والبناء، والتشييد، والعمران؛

2-للمعارضة، والمستقلين علي حد السواء، الحق المطلق كذلك، في ترشّح وترشيح، من يرونه مناسبا للرئاسة؛ فطالما كان الطموح الأوحد للمعارضة في بلادنا، هو الوصول إلي كرسي الرئاسة؛

3-الحَكَمُ هو الشعب الموريتاني، بكل أطيافه، ومشاربه، ومكوناته، والذي سيقول كلمته الفصل، يوم الاقتراع، في الانتخابات الرئاسية القادمة ؛ ويجب أن يُضمن لهذه الانتخابات كامل الحرية ، والنزاهة، والشفافية، والمصداقية ؛

ولكن إنصافا ومصارحة، إلي من يعود الفضل في تنقية الأجواء إلي هذا الحد، وجعل الجميع اليوم، يستشرف، بأمل مشرق، ورغبة كاملة، ويترقب بلهف انتخابات رئاسية فاصلة؛ كان يمكن لغير ولد عبد العزيز، التلكؤ فيها، والمراهنة علي غيرها من الخيارات؟ كما جري في عديد من البلدان الافريقية الأخرى...

إنصافا ومصارحة، وإحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، ألم يتخذ فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قرارا شجاعا، بإيقاف كل المبادرات، الرامية إلي تعديل الدستور؛ فكيف ينعت بأنه يخرج "صاغرا"، و هو من لا يزال، وسيظل، عند شعبه معززا ، مكرما؟

في الختام، نقول لمن سيخلف هذا القائد الهمام، الذي يودّعه الموريتانيون، بكامل الاحترام والتقدير، وجزيل الشكر والعرفان، وصادق الودّ والمحبة والامتنان :

اسلك نفس السبيل من الحرص علي المصالح العليا للبلد، والمحافظة علي أمنه واستقراره، وتكلم "لغة عزيز" –نعم لغة عزيز- التي ظل يخاطب بها شعبه، وهي اللغة التي بات الجميع لا يفهم سواها، ألا وهي لغة الانجازات الملموسة علي أرض الواقع، التي ليس لمفرداتها مسميات أخري غير، مدرسة تُبني، ومستشفى يُشيّد، وطريق تُعبّد؛ وجامعات تُفتح، ومعاهد تكوين حديثة؛ وبنية تحتية مستحدثة في كل شبر من ربوع الوطن، ومطارات راقية، وموانئ، ومصانع، ومحطات لتوليد الكهرباء و توزيع للماء الشروب، وإيصاله إلي كل بيت وخيمة وعريش وكوخ؛ هذه هي اللغة التي يفهم الجميع، ولا تحتاج إلي شرح أو توضيح... 

وما من شك في أن رجل دولة من العيار الثقيل، بحجم ولد الغزواني، لن يختار لغة أخري سوي هذه...

علي أي حال، وإلي أن تقول صناديق الاقتراع كلمتها الأخيرة، نقول: ليكن الحظ حليف من يقع عليه اختيار الموريتانيين، من خلال انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة.

فلقدْ أحكم عزيز البنيان، وسيخرج من الرئاسة معززا مكرما، غير مهان...

فلْنحرص علي اختيار من يواصل النهج، ويكمل المشاريع، ويحفظ الأمن والاستقرار.

دامت موريتانيا بألف خير. وحفظها الله من كل سوء ومكروه.

 

30. يناير 2019 - 7:57

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا