هل أصبحت الجزائر أحرص من الشيطان على انتصار القاعدة؟! / المختار السالم

altلم يكن من الحكمة أبدا إعلان رئيس الحزب الحاكم محمد محمود ولد محمد الأمين أمس أن علاقاتنا بالجزائر تمر في أحسن حالاتها. فهذا نوع من "الانخذال" الدبلوماسي والعودة إلى الوراء في إدارة العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء والتي اتسمت بأسلوب النعامة طوال الأنظمة السابقة.

ففي الوقت الذي لم يجف فيه حبر الاتفاقيات الموقعة قبل يومين مع الجزائر بالتنسيق ودعم دول منطقة الساحل بعضها لبعض في مواجهة الفرع المغاربي للقاعدة، وفي ذروة مواجهة جيشنا مع عناصر التنظيم الإرهابي، حرض جنرالات الجزائر منذ اللحظة الأولى للمعركة على استدعاء وكالات الأنباء ومدها بصور مروعة عن تعرض الجيش الموريتاني لمجزرة وفشل مريع.

لم تكن رائحة الشماتة والتشفي لتخفى في وجوه ألئك الملحقين العسكريين الجزائريين في باماكو والنيجر وهم يملون على الصحفيين ما جادت به قريحهتم من الادعاءات (الجيش الموريتاني يتعرض لمذبحة، عشرات القتلى في صفوف الجيش الموريتاني، جرحى بلا حدود، استيلاء القاعدة على مركبات الجيش، انقطاع الاتصال بالوحدات العسكرية الموريتانية، حرب بالوكالة... إلخ).

ثم لم يكن خافيا أن تعمد بعض الصحف الجزائرية التي تغمس قلمها في دواة المخابرات قبل أن تكتب إلى وصف ما قامت به موريتانيا بأنه "انتحار" وأن "القاعدة في موقف قوي".

وقبل ذلك اتهام موريتانيا بالتحالف مع الشيطان، ثم الادعاء أن موريتانيا أخذت رشوة بتمرير صفقة تحرير الرهائن الإسبان.

حقيقة لم نعرف ما إذا كنا نقاتل تنظيما إرهابيا أم نقاتل من (وراء الشجرة) الشقيقة الجزائر التي تبدو أحرص من الشيطان على انتصار القاعدة في مواجهة الجيش الموريتاني.

يجب أن تكون قصتنا مع الجزائر واضحة. فقد سكتت موريتانيا عن التدخل الجزائري القوي في الشؤون الداخلية الموريتانية إبان انقلاب 6 أغسطس 2008، وكانت الجزائر الدولة العربية الوحيدة، بل الدولة الأكثر معارضة في العالم لذلك الانقلاب بحجة الديمقراطية. وكأن جنرالات الجزائر و"الدمى" الرئاسية التي يحركونها، تحولوا بقدرة قادر إلى كليات لإلقاء الدروس في الديمقراطية وهم الذين انقلبوا عليها ضد خيار الشعب الجزائري في انتخابات 1991 فاتحين حمام دم الحرب الأهلية.

حقا لقد صبرت موريتانيا كل إهانات المسؤولين الجزائريين في كواليس اجتماعات المنظمات الإقليمية والدولية التي تبحث الوضع السياسي في موريتانيا إبان تلك المرحلة، كما صبرت على سيل الشتائم الذي تطفح به الصحف الجزائرية عن موريتانيا.

فما الذي تريده الجزائر؟

يجب أن لا ننسى أن موريتانيا، ومن أجل عيون الجزائر، برأت قبل أسابيع مجموعة من الصحراويين شاركوا في تسهيل عملية خطف الرهائن الإسبان من فوق الأراضي الموريتانية. وكان ربط الصحراويون بملف القاعدة سيكون أمرا خطير دوليا، ولا يعمل لصالح "جمهورية الوهم" الصحراوية التي يقيمها المسؤولون الجزائريون ضمن مسرحهم لعرائس الدمى في المنطقة، وضمن تجزيء المجزأ من الوطن العربي.

كما يجب أن لا ننسى أن عناصر تنظم القاعدة ينامون آمنين داخل مخيمات البوليساريو الواقعة على أرض وسلطة الدولة الجزائرية.

فهل كان الغرض من اجتماعات التنسيق لقادة جيوش ومخابرات دول الساحل في الجزائر هو لمجرد مــد قاعدة الصحراء بالمعلومات عن نوايا الجيران. أم ماذا؟.

رغم كل محاولات موريتانيا تجنب التوتر مع الجزائر، بل واسترضائها في ملف الصحراء والموافقة على مطالبها في اجتماعات "تمنراست" وغيرها، قامت الجزائر بسحب استثماراتها من موريتانيا مفلسة شركة "سوماغاز" وملقية بذلك حجرا في وجه المستثمرين الأجانب.

طرح السؤال أكثر من مرة.. من يوصل المخططات السرية للجيش الموريتاني إلى القاعدة؟

من المستهدف بنشر كل المعلومات اللوجستية والاستخباراتية والميدانية عن الجانب الموريتاني.

وقبل ذلك طرحت علامات استفهام كبيرة عن منشأ الفرع المغاربي للقاعدة. فالكتائب الثلاثة المسيطرة على هذا التنظيم لا تقوم سوى بعمليات خطف الأجانب أو توجيه ضربات للجيش الموريتاني، والمعلومات الأمنية تؤكد أن قادة سلفيين مثل "مختار بلمختار" مجرد بيادق في يد الأمن الجزائري.

ويجب أن نتذكر بقوة أن أول عملية للتنظيم استهدفت الجيش الموريتاني في "لمغيطي" (2005) جاءت بعد أشهر من تدشين السلطات الموريتانية وشركة "توتال" الفرنسية لعمليات التنقيب عن النفط في "حوض تاودني" الذي يشكل استخراج النفط والغاز منه مخاطر حقيقية على المخزون النفطي الجزائري نظرا للطبيعة الجيولوجية لتلك المنطقة.

وللعلم فقد انتدب ولد الطايع بعد "لمغيطي" مبعوثا خاصا إلى الرئيس المالي آمادو توماني توري، لكن كان جواب توري هو "قل للسيد الرئيس أن لا يحارب القاعدة في الصحراء لأن الجزائر لا تقبل بذلك".

وعندما عاد نفس المبعوث بهذه المعلومات أرسل إلى الجزائر واستقبله الرئيس عبد العزيز بوتفليقه الذي قال له "إذا لم تمنحوا قاعدة عسكرية لفرنسا أو أمريكا فلن يكون إلا خير".

وعندما نقل المبعوث الخاص، وهو اليوم مسؤول سام وإلا ذكرت اسمه، تلك المعلومات إلى ولد الطايع قال هذا الأخير "ما قاله ATT صحيح". وكان ولد الطايع يختصر اسم الرئيس المالي آمادو توماني توري بهذه الأحرف.

فهل تسعى الجزائر من حماية "الفرع الصحراوي" للقاعدة ومن وراء كل هذا إلى إستراتيجية متعلقة بالثروات في المنطقة وإلى السيطرة على الساحل من أجل مد نفوذها إقليميا لإطماع في إقليم "أزواد" السائب شمال مالي وربما الصحراء الغربية لتتمكن من منفذ على الأطلسي؟

إن الحجة الأساسية لدى الجزائر هي رفضها لأي تواجد أجنبي في شبه المنطقة، ورغم أنه لا يوجد تواجد أجنبي في موريتانيا إلا بقدر ضئيل قياسا إلى ذلك الموجود في الجزائر في إطار التنسيق الأمني والتكوين على مكافحة الإرهاب، فإن السؤال المشروع هو من أوكل حماية المنطقة إلى الجزائر؟ ومن نصبها وصيا على سيادة الدول الأخر والتدخل في شؤونها، وما الذي يعني الجزائر في علاقة موريتانيا بالفرنسيين أو حتى بـ"المريخيين".

لقد طفح الكيل.. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتطبيل للإرهابيين على حساب الجنود الموريتانيين الذين يسعون لحماية مواطنيهم من عصابات الإجرام المسلح.

والرد على الشقيقة الجزائر لا يكون إلا بصراحة الشقيق لشقيقه. فإما أن تقبل علاقات احترام وتعاون أو نقوم بالكف عن طلاء السم بالعسل.

30. نوفمبر 1999 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا