العَقْدُ الاجْتِمَاعِيُّ المُورِيتَانِيُّ:تَحْيينٌ أَمْ إِصْلَاحٌ أَمْ إعَادَةُ بِنَاءٍ؟ / المختار ولد داهى

الانتخابات الرئاسية مناسبةٌ لمنافسة الرؤى و البرامج و الطموحات من أجل البلد، و لا خصامَ فى أن أول الطموحات الواجبة فى حق البلد هو مراجعة العقد الاجتماعي الوطني بعد مُضِيِّ ستين حَوْلًا على التأسيس و التعاقد على "عجل و خَبَبٍ" و إعلان "الدولة الموريتانية رغم كل التحديات".وتطفلا على "أهلية" الإسهام فى النقاش الفكري الذى يسبق و يواكب الانتخابات الرئاسية غالبا أسجل عبر هذا المقال "بالأحرف الأولى" موقفى من مسألة مراجعة العَقْدِ الاجتماعي الموريتاني التى يتحدث عنها كثير من الناس و قليل منهم يحرر مناطها و يحقق حالها و يستشرف مآلها،..و إجمالا،فإن المتابع للشأن الموريتاني ملاحظ إجماع أهل الفكر و النظر علي الحاجة إلي مراجعة العقد الاجتماعي الوطني و انقسامهم اتجاه حجم و طبيعة و استعجالية تلك المراجعة إلي ثلاث فئات:-أولا: فئة المطالبة بتحيين و ترميم العقد الاجتماعي: و تري هذه الفئة أن العقد الاجتماعي الذي تأسست عليه الدولة الموريتانية هو عقد تأسيسي مثالي و لا يستدعي إلا الحاجة الطبيعية و الروتينية إلي "الصيانة" المتمثلة في شيئ من التحيين الذي يتطلبه التطور الزمني و قدر من الترميم لبعض أخطاء الممارسة و أَعْطَابِ الطريق الشاق إلي بناء أول دولة مدنية علي هذه الأرض مترامية الأطراف، متعددة الأعراق و اللغات و العادات و "الأمزجة"،...ثانيا: جماعة السعي إلي تطوير و إصلاح العقد الاجتماعي:و تسعي هذه الجماعة إلي توضيح و تثمين إيجابيات العقد الاجتماعي الحالي غير القليلة التي حصنت الدولة من هزات مجتمعية عنيفة و "أمراض سياسية" إقليمية مُعْدِيًةٍ.كما تهدف إلي التركيز علي النواقص العديدة للعقد الاجتماعي الحالي مطالبة بضرورة تطويره و تقويمه و إصلاحه من خلال ترتيب أولويات الشواغل الوطنية كإطفاء المظالم الاجتماعية التليدة و الطارفة، الموروثة و المكتسبة "شديدة قابلية الاشتعال" و اعتماد نموذج اجتماعي هدفه الأكبر و الرئيس تحقيق العدل الاجتماعي الذي هو "الرافعة الفعالة و الآمنة" لكل رقي سياسي و تنمية اقتصادية...ثالثا: فريق الضغط من أجل هدم و إعادة بناء العقد الاجتماعي: و يعتقد أنصار هذا الفريق و الذين منهم من يوصف أحيانا "بالغلو السياسي" و منهم من ينعت بالتطرف العنصري و الشرائحي و المناطقي أن الدولة الموريتانية أُسِسَتْ من أول يوم علي الغبن و الحيف و عدم ترتيب الأولويات و أن الإصلاح المطلوب لن يكون عاصما من الهزات المجتمعية العنيفة إلا إذا جسد قطيعة كاملة مع الماضي من خلال هدم العقد الاجتماعي الحالي و إعادة تأسيسه علي أسس جديدة.وإذا جاز لي أن أصف الفئة الأولي بالتبريرية و الثانية بالإصلاحية و الثالثة بالاستئصالية فإنه في اعتقادي أن رهانات التأسيس لا زالت راهنة ناتئة لم يحسم منها إلا رهان إثبات الوجود و تسجيل موريتانيا ضمن " الحالة المدنية المُؤَمًنَةِ لدول العالم" و أن متطلبات تجذير الدولة الموريتانية تمر حتما عبر تحالف النخب الوطنية كلها -و لا أحاشي من الأقوام أحدا- تحالفا يتصدي لمقاربات الفئتين التبريرية و الاستئصالية و مناصرة الفئة الإصلاحية.و ينبغي أن تتجسد تلك المناصرة أساسا إن لم أقل حصرا في تطوير و إصلاح العقد الاجتماعي الوطني الحالي إصلاحا استباقيا، استشرافيا، تقدميا و جريئا يجعل "إطفاء المظالم الاجتماعية" و تحقيق العدل الاجتماعي و تملك النهضة المعرفية و القِيًمِيًةِ و العمل بجهد وتضحية و نزاهة من أجل تنمية اقتصادية عاجلة شاملة و عادلة أُمًهَاتِ الشواغل و الأهداف و المقاصد الوطنية.

28. فبراير 2019 - 18:13

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا