وقفة مع خطاب المرشّح ولد الغزواني / عبدولاّي يريل صو

ليس من منهجي و لامن هِوايتي التعليق على الكلام الذي يصدر عن المسئولين، ولكن استوقفتني بعض الجمل من خطاب مرشّح الأغلبيّة و وزير الدّفاع الوطني محمّد ولد الغزواني، الذي أعلن فيه نيّته التّرشّح لانتخابات الرّئاسيّة القادمة. رغم الإشارات والبشارات الإيجابيّة الكثيرة و المُطَمئنة الواردة في كلّ الخطاب؛ التي تبعث الأمل  في نفس المواطن، إلاّ أنّني توقفت كثيرا متأمّلا ومتسائلا في نفس الوقت عند الجمل التّالية: "... تحسين الوحدة الوطنيّة واللّحمة الاجتماعيّة، في إطار دولة المواطنة القائمة على القانون، الغنيّة بتنوّعها، والمتصالحة مع ذاتها..."

   من المعلوم و المسلّم به أنّ تحسين الوحدة الوطنيّة، وتقوية اللّحمة الوطنيّة، لا يتمّ إلاّ بمساواة كلّ المواطنين في الحقوق والواجبات، ومشاركتهم جميعا في خدمة وطنهم بمختلف المواقع، و في صنع واتخاذ القرار، وتقلّد المناصب في كافّة مؤسّسات الدّولة، وعلى كلّ المستويات، دون أيّ تمييز أو تهميش أو إقصاء طبقة أو شريحة معيّنة منها، لأيّ اعتبار أو سبب كان، إلاّ لعدم الكفاءة. كما أنّ التّنوّع لا يمكن أن يكون نعمة أو ثروة حقيقيّة إلاّ إذا استُخدم استخداما صحيحا، حيث يستطيع كلّ مكوّن من مكوّنات المتمثّلة في ذلك التّنوّع إظهار خصوصيّاته الثّقافيّة واللّغويّة عبر منابر الدّولة كلّها، وخاصّة المنابر الإعلاميّة النّاطقة باسمها، وتسجيل تاريخها في مناهج التّعليم ضمن تاريخ العام للوطن، ويشارك في كتابته. وأن يحضر هذا التّنوّع في كلّ المؤسّسات، وفي كافّة مستوياتها. من يلقي نظرة موضوعيّة على جميع المؤسّسات الحكوميّة الموريتانيّة، لا تصعب عليه ملاحظة الغياب شبه الكامل للتّنوع فيها، ولا سيّما في أماكن اتّخاذ وصنع القرار، وخاصّة المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة التي يُعدّ السّيّد المرشّح أهمّ قادتها، خلال السّنوات غير القليلة الماضية، وما زال حتّى الآن، بل و أكثر من ذلك أنّه كان على رأسها وصاحب الرّأي الأوّل والأخير فيها بلا منازع، خلال عشر سنوات الماضية التي حكم فيها الرّئيس محمد ولد عبد العزيز البلاد، وشهدت البلاد أثناء تلك الفترة طفرة نوعيّة في شتّى النواحي التّنمويّة، اقتصاديّا، أمنيّا، دبلوماسيّا وغيرها، إلاّ أنّ البلاد شهدت أثناءها أيضا تقلّصا مطّردا للتّنوع في تلك المؤسّسات الأساسيّة في كل دولة في العالم. ممّا يجعل أيّ مواطن موريتاني يفترض افتراضين، هما: أنّ المرشّح على علم بذلك، وينوي إصلاحه حال فوزه برئاسة البلاد، أو لا يعتبره من الأمور التي أخفق فيها مَن حكم البلاد قبل ذلك أصلا!

   و في حال صحّة الافتراض الأول؛ تأتي الأسئلة المفترضة أن تُطرح، وهي إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم يتمّ الشّروع في إصلاحه خلال هذه الفترة كلّها؟ أم أنّ هناك عقبات خفيّة حالت دون الإصلاح أو الشّروع فيه؟ وهل زالت تلك العقبات أم ما زالت قائمة؟ وإذا كانت تلك العقبات ما زالت قائمة، فكيف سيتغلّب عليها المرشّح حال فوزه؟ هل سيمتلك الشّجاعة الكافية لمواجهة تلك العقبات و إزالتها، كتلك التي امتلكها رئيس الجمهوريّة الحالي، عند ما أدّى صلاة الغائب في مدينة كيهيدي، واعترف ولو ضمنيّا بمسئولية الدّولة بشكل أو بآخر، بما حدث في آواخر الثّمانينيّات القرن الماضي، من تصفيات وتهجيرات قصريّة؟ أو حين اختار نفس المدينة لرفع العلم وعزف النّشيد الوطني الجديدين و إعلان إصدار جديد المحصّن للعملة الوطنيّة، وغيره من القرارات الحاسمة؟ هل سيمتلك تلك الشّجاعة أو القدرة على القيام بذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الملحّة التي تَطرح نفسها تنتظر الإجابة العمليّة عليها من الواقع في المستقبل.

   أما في حال صحّة الافتراض الثّاني؛ فالسّؤال المفترض الذي سيطرح نفسه هو، كيف يمكن أن تقوم دولة القانون وتتصالح مع ذاتها، دون الاعتراف بالأخطاء المتوارثة، ورفع الظّلم عن المظلومين، وتقديم الظّالمين إلى العدالة؟

   رغم كلّ هذه التّساؤلات، وبغضّ النّظر عن صحّة أحد الافتراضين من عدمه، أرى أنّه الأقدر من بين الأسماء المطروحة على السّاحة حتى اللّحظة على أنّها ستترشّح للانتخابات القادمة، لإصلاح حال البلد، وتغيير وضعه إلى الأحسن، وخلق التّوازن بين مكوّناته، لما يمتلكه من خبرة طويلة، وتجربة كافية لذلك، وكونه جزءا لا يتجزّأ من نظام الحكم القائم، يُفترض أن يكون ملمّا بجوانب القصور وموازين القوّة فيه، يسهل عليه إصلاحه بسلاسة ومرونة، ممّا لا يتوفّر لغيره من الأسماء المطروحة، هذا باعتقادي؛ يكفي تبريرا لدعم مشروعه الانتخابي وإعطائه الفرصة لتنفيذه.

10. مارس 2019 - 0:23

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا